منتديات شلغوم العيد
تربية القرآن لجيل الإيمان 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة منتديات شلغوم العيد
سنتشرف بتسجيلك
شكرا تربية القرآن لجيل الإيمان 829894
ادارة منتديات شلغوم العيد تربية القرآن لجيل الإيمان 103798
منتديات شلغوم العيد
تربية القرآن لجيل الإيمان 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة منتديات شلغوم العيد
سنتشرف بتسجيلك
شكرا تربية القرآن لجيل الإيمان 829894
ادارة منتديات شلغوم العيد تربية القرآن لجيل الإيمان 103798
منتديات شلغوم العيد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات شلغوم العيد

منتديات شلغوم العيد للعلم و المعرفة لكل الجزائريين و العرب : بحوث ، مذكرات ، دروس ، محاضرات ، إمتحانات ...إلخ
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تربية القرآن لجيل الإيمان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مدير المنتدى
المدير العام
المدير العام
مدير المنتدى


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 258
نقاط : 4618
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 14/07/2013
مكان السكن : شلغوم العيد
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : طالب جامعي

تربية القرآن لجيل الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: تربية القرآن لجيل الإيمان   تربية القرآن لجيل الإيمان Icon_minitime1الجمعة أغسطس 16, 2013 11:13 pm

أحكام المولود في الإسلام
عجائب ولادة المسلم
جعل الله للمولود في الإسلام أمرًا عجيبًا وشأنًا غريبًا وذلك تأسيًا بميلاد رسل الله الكرام فرسول الله كانت ولادته خرقًا للعادة وليست كأي ولادة عادية لأنه كان يُسَّبِحُ في بطن أمه ويُسْمَعْ تسبيحه وصوته وهو في بطنها وورد أنه وُلِدَ ساجدًا مختونًا مقطوع السُّرة يرفع إصبعه السبابة إلى السماء [1]وقد ورد أيضًا: أن الملائكة والأرواح الطاهرة نزلت لمولده وذُكِرَ مِمَّنْ حضرن ذلك السيدة آسية امرأة فرعون والسيدة مريم ابنة عمران والحور العين كلُّهن نزلنْ لحضور ولادته وكذلك الطفل المسلم تحضر ميلاده لجنةٌ من الملائكة الكرام فتساعد أمه في إتمام ولادته وهى لا تشعر وتكتنفه من جميع نواحيه لحفظه من الشياطين لأن الطفل الذي يُولَدْ يحاول الشيطان أن يستحوز عليه فَيُنْزِلُ الله جنده لحمايته من مكر الشيطان وكيده ويبقون في ذلك المكان إما أسبوعًا على رأي وإما أربعين يومًا على الرأي الآخر فمكان الميلاد تَتَنَزَّلُ فيه الرحمات والبركات ولذلك طلب سيدنا جبريل من رسول الله في رحلة الإسراء أن ينزل في بيت لحم حيث وُلِدَ سيدنا عيسى فقال: إنزل ههنا فَصَلِّ حيث وُلِدَ عيسى وهذا يدل على المكانة الكبيرة والمنزلة العظيمة لمكان ميلاد الأنبياء وقد قال النبى{ إذا وُلِدَتْ الجَارِيَةُ بعث الله إليها مَلَكاً يزقُّ البركة زقاً يقول: ضعيفة خرجت من ضعيفة القيِّمُ عليها مُعانٌ إلى يوم القيامة وإذا وُلِدَ الغلام بعث الله إليه مَلَكاً من السماء فقبَّل بين عينيه وقال: الله يقرؤك السلام }[2].
الواجب على الأب نحو المولود
يجب على الأب أو من حضر ميلاد الطفل من الأقارب ما يلي:
1. الآذان: أن يؤذن في أذن الطفل اليمنى آذان الصلاة ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى على أن يكون ذلك بصوت خافت لا يؤذي المولود وفائدة ذلك حفظ المولود من الشيطانة الموكلة بالصبيان لقول النبى{وإذا ولد لأحدكم مولود فليؤذن في أذنه اليمنى ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى فإن ذلك يحفظه من أم الصبيان} [3]
2. التحنيك: وقد كان النبى يضع ثمرات في فيه ثم يتناولها ويضعها في فم المولود التماسا لبركة ريقه صلوات الله وسلامه عليه وقد حبذ ذلك جماهير العلماء وخاصة إذا كان ذلك على يد رجل صالح لقول النبى{ سؤر المؤمن شفاء }[4] وكره ذلك بعض المعاصرين خوفًا من وجود مرض معدي ينتقل عن طريق الريق وإن اتفق الجميع على استحسان أن يكون أول شئ يصل إلى جوف المولود طعام أو شراب حلو.
2. الحلق والتصدق:
فقد (أمر النبى عند ولادة الحسن والحسين الحلاق أن يحلق شعرهما ووزن مقابله ذهبًا وأمر بأن يتصدق به) [5]فإذا كان المولود ولدًا أو بنتًا له شعر فعلنا معه ذلك تأسيًا بهديه صلوات الله وسلامه عليه وإن كان شعره قصير وقليل كمعظم المواليد في عصرنا بسبب تعاطى الأمهات للأدوية أثناء الحمل اكتفينا بالتصدق عن المولود بما يوازي ثمن جرام ذهب تقريبًا أو أقل أو أكثر على حسب السعة، عملاً بقول الله تعالى} لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ {[7- الطلاق].4. التسمية: وتكون باختيار اسم حسن له دلالة ومعنى لقول النبى{أكرموا أبناءكم وأحسنوا أسمائهم }[6] وخير الأسماء بالنسبة للذكور هي المشار إليها بقوله{ خير الأسماء ما حُمِدَ وعُبِد }[7] أي أسماء الرسول والأسماء المضافة إلى صفات الله كعبد الرحمن، وعبد اللطيف وغيرها أما بالنسبة للإناث فخير الأسماء ما وافق أسماء أمهات المؤمنين أو الصحابيات الجليلات أو النساء الصالحات والمهم في كل هذه الأسماء أن تكون عربية ولها معنى معبر ويكره التسمي بالألفاظ الأجنبية أو الأسماء التي تثير السخرية والإشمئزاز عند النداء بها.
5. العقيقة: وهي ذبيحة تذبح عند السابع أو بعده لكل مولود ذكر أو أنثى وهي سنة عند السعة:} وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ{ ويأكل منها الأهل والأقارب والفقراء والمساكين لقول النبى{ على كل مولود عقيقة تعقُّ عنه يوم السابع تميط عنه الأذى }[8] أما غير المستطيع فليس مطالباً بها وليس عليه شئ بتركها أما ما يفعله الناس في عصرنا يوم السابع من إطعام للطعام وتوزيع لمعلبات أو أكياس مليئة بأنواع الحلوى والمكسرات فهي من باب الصدقات إذا نوى صاحبها بها ذلك على ألا يسرف فيها ولا تخرج إلى المباهاة لقول النبى{ كلوا واشربوا في غير سرف ولا مخيلة }[9]
6. الختان: وهو سنة للرجال ومستحب للنساء لقول النبى{ الختان سُنَّةٌ للرجال ومكرمة للنساء }[10] وقد بدأت الأمم الغربية في ختان الذكور والتشديد في ذلك حفظًا لسلامة عضو الذكورة من الأمراض التي تتسبب من تراكم الميكروبات والجراثيم تحت القلفة (القطعة التي تحيط بعضو الذكورة من أعلى، ويأمر الإسلام بإزالتها) أيضاً حفظاً لسلامة المرأة إذ ثبت بالدليل العلمى أن عدم ختان الرجال أحد الأسباب الأساسية لإصابة النساء بأمراض تناسلية عديدة ومنها الخبيث وكثير من الباحثين الغربيين يطالبون بختان الإناث عند الحاجة لذلك - نظرًا للفوائد الكثيرة التي تعود على الأنثى من هذا ولذا تقول الباحثة الأمريكية ماري استوبس في كتابها(المرشد في العلاقات الجنسية)إن من خير العادات عند المسلمين عادة ختان الأنثى لأن بعض الإناث يصل حجم البظرعندهن إلى قريب من الذَّكَرِ عند الرجل ومثل هذه كلَّما احتك بظرها بملابسها الداخلية تهيَّجَتْ الشَّهْوَةُ عندها)، والهدي النبوي في ختان الأنثى هو قول النبى للمرأة التي كانت تزاول ذلك بين نساء الأنصار{ يا أم عطية اخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند البعل }[11]
تنبيه وعبرة
إذا رزق المرء بمولود جديد فهذه نعمة عظمى ساقها الله إليه فعليه أن يقابلها بالشكر بأن يصلي ركعتين شكرًا لله أو بأن يتصدق على الفقراء والمساكين أو بأن يطعم الطعام ومن تمام الشكر على هذه النعمة ألا يُظهر الفرح بذلك أكثر من اللازم أو يتباهى بذلك بين الأهل والأصحاب والجيران - كما تفعل النساء - لأن هذا أمرٌ لا يحصِّله المرء بإرادته ولا يناله باختياره وإنما كما قال الله( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {وقد نبه إلى العبرة في مجئ المولود أحد الحكماء وذلك في قصة رمزية ساقها إلى تلاميذه حيث قال ( ركب رجل البحر مع جماعة كثيرة وبينما هم في عرض البحر هبَّت عليهم ريحٌ شديدة أغرقت السفينة بِمَنْ فيها، ولم يبق إلا لوح من ألواح هذه السفينة طفا على سطح الماء وتعلق به هذا الرجل وصارت الأمواج تتقاذفه حتى اقترب من شاطئ جزيرة وهناك رأى عجبًا، فقد وجد جموعًا كثيرة على الشاطئ تنتظره ومعهم تاج المُلك، وعند وصوله إلى الشاطئ تصايحوا فرحين وألبسوه التاج، ونادوا به ملكًا عليهم، وهتفوا بحياته، وساروا به في موكب عظيم حتى أوصلوه إلى قصر المُلكوبعد انصراف تلك الجموع أحضر كبار مساعديه وسألهم عن هذا الأمر؟ فأخبروه بأن هذه عادتهم المتبعة في كل عام حيث يستقبلون ناج من البحر وينصبونه مَلِكًا عليهم في كل عام ويقومون بعده بقذفه في وسط غابة مجاورة مليئة بالوحوش الكاسرة، ويبحثون عن غيره وهكذا دواليك فاستوضحهم عن الصلاحيات المخولة له فأخبروه أن كلَّ أمرٍ له مطاع طوال سنة حكمه فعين أحدهم وزيرًا وأصدر إليه ثلاث قرارات أَمَرَهُ بتنفيذها فورًا هي:
1. إزالة هذه الغابة بالكلية.
2. بناء قصر مكانها يلائم أبهة الملك.
3. زراعة حديقة حول القصر تحوي كل خيرات الأرض
وعند انتهاء العام طالبهم بتنفيذ عادتهم، فقالوا: لقد فوَّتَّ الأمر علينا بحكمتك وحسن تصرفك.والعبرة في هذه القصة حيث يقول: تشير هذه القصة إلى قصة كل مولود يخرج إلى هذه الحياة فالطفل في بطن أمه كالغريق وسط البحر، وعند ولادته ينزل مَلَك فيخرجه بلطف ورقة وحنان على ريشة من جناحه، كالغريق الذي تعلق بلوح الخشب، والجنين في بطن الأم يحيطه اللهعزوجل بالماء من جميع الجهات حتى لا يتأثر بحركتها واهتزازاتها، ويتولاه الرزاق فيواصله بالهواء والماء والدواء والطعام عن طريق الحبل السريِّ، ويخرج منه بواسطته كذلك الفضلات. وبعد نزوله إلى الأرض يلتف حوله الأهل والأحباب ويقيمون الزينات والاحتفالات ويكون له السلطان على كل مَنْ حوله، وعلى الأعضاء التي معه، طوال عمره في الدنيا فإن أساء في تصرفاته وفي سلوكه قذفوا به إلى جهنم وبئس المصير، وإن أحسن لنفسه واستبدل مقعده في النار بقصر في الجنة - بناه بعمله الصالح وبرِّه وتقواه - فهيئا له الحياة الطيبة الأبدية في جوار الله. وفي ذلك يقول القائل:

لا دَارَ لِلمَرْءِ بَعْدَ الْمَوتِ يَسْكُنُهَا إِلاَّ التي كَانَ قَبْلَ الْمَوتِ يَبْنِيهَا
فَإِنْ بَنَـاهَا بِخَيْرٍ طَابَ مَسْـكَنُهُ وإِنْ بَنَـاهَا بِشَرٍّ خَـابَ بَانِيهَا

[1] روى ذلك ابن سعد والبيهقي وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب

[2] روى الطبراني ]في الأوسط[ عن أنس قال

[3] رواه أبو يعلى وابن السني في اليوم والليلة والبيهقي في شعب الإيمان من حديث الحسين ابن علي

[4] رواه الدار قطني عن ابن عباس

[5] رواه الترمذي والحاكم من حديث علي

[6] رواه أبو داود من حديث أبي الدرداء

[7] رواه مسلم من حديث ابن عمر

[8] رواه البخاري من حديث سلمان بن عامر

[9] رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس

[10] رواه أحمد والبيهقي والطبراني عن الحجاج بن أرطأة

[11] رواه أحمد وأبو داود عن أم عطية

نَبَاتُ الله

فالإنسان نبات الله يتولى زراعته، ويتعهده برعايته، ويجني ثمرة عمله الله وإلى ذلك الإشارة بقوله عزَّ شأنه[وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا]فالحق ينزل الماء وهو مني الرجل من سماء الرفعة لأن الرجل أرفع قدرًا في حالة الوقاع ويضعه في أرض المرأة[وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا]وهو يشبه النبات في هيئته وإن كانت حالته مقلوبه فالرأس بما فيها من حواس بمثابة الجذر في النبات - حيث به حواس النبات والقوة الغاذية وغيرها والجسم كالجذع للنبات والأذرع والأرجل كالسيقان والأوراق ويمر الإنسان بمراحل النبات فيكون صغيرًا ثم شابًا فتيًا غضًا طريًا، ثم رجلاً قويًا ثم شيخًا، ثم يكون حصاده، من الذي يحصده؟ الزارع له - وهو الله فإن كان زرعًا له ثمرة من الصالحات والقربات فهنيئًا له الجنة، وإن كان زرعًا ليس له ثمر من الطاعات والخيرات فهو حطبٌ توقد به جهنم } وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ { ولذلك ورد في الأثر أن الناس كالشجرة فمن الشجر من له ظل وله ثمر ومنه من له ظل وليس له ثمر، ومنه من ليس له ظل ولا ثمر.
فأما الصنف الأول الذي له ظل وله ثمرفمثل العلماء العاملين والأولياء والصالحين فمن الناس من ينتفع بالجلوس معهم ولو لم يسمع علمهم لأنهم يوجهون الناس بعلمهم وينهضونهم بحالهم ويدعونهم إلى الصراط المستقيم بسلوكهم وهديهم ومنهم من يُقبل على علومهم الإلهامية يغترفون منها وهي ثمرة طاعاتهم ونتاج إخلاصهم - لقول النبى{ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ }[1] وأولئك هم المقربون وأما الذي له ظل وليس له ثمر فكأهل اليمين من المؤمنين: وهم صالحون في أنفسهم، مطيعون لله بأعمالهم ينتفع بهم من يجالسهم - لتأثره بسلوكهم وأخلاقهم - وإن كانوا لا يوجهون غيرهم بأقوالهم ولا يرشدونهم بتوجيهاتهم، فيكفيهم أنهم يعزلون شرَّهم عن غيرهم، ويَسْلَمُ الخَلْقُ من أيديهم وألسنتهم.
وأما الذي ليس له ظل ولا ثمر فكالفاسق والفاجر والعياذ بالله: فلا هو ينفع نفسه - بقوله أو بعمله - ولا ينتفع به غيره بل إنه يجلب الضُّرَّ لنفسه بسوء فعله، ويصيب غيره بضُّرِّه فهو كشجرة الشوك كلُّ مَنْ مرَّ بها آذته وكذلك هو يؤذي الناس بلسانه بالسبِّ والشَّتم والغِيبة والنميمة وغيرها ويؤذيهم بيده بشكاية أو سرقة أو قتل وهكذا، فالمؤمن يجب أن يكون كالشجرة الطيبة من يأوي إليه يجد العطف ويشعر بالحنان والرقة ويحس باللطف والأنس ومن يلمسها يشم منها رائحة القرآن وأخلاق النبي العدنان وأحوال الصالحين والمتقين، فيكون كما قيل في الأثر الوارد عن الصالحين:{ عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم } ومثل هذا هو الذي فهم الحكمة من الأذان والإقامة في أذن المولود فالأذان والإقامة يقتضيان الصلاة فمتى هذه الصلاة؟ إنها صلاة الجنازة لهذا العبد لأنها تصلى بدون أذان أو إقامة فكأن عُمُرَ العبد مهما طال فهو كما بين إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام في إفتتاح الصلاة فما أصدق قول القائل إذاً:
دَقَّاتُ قَلْبِ المَــرْءِ قَائِـلَةٌ لَـهُ إِنَّ الحَيَـاةَ دَقَــــائِقٌ وَثَوَانى
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَــــانِ عُمْرٌ ثَانِ

وما أجمل قول أحد الصالحين :
يا أيها الماء المهين من الذي سواك ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاك
يا نطفة بقـرارها قد صـورت من ذا الذي بحنانه أنشـاك
ومن الذي شق العيون فأبصرت ومن الذي بظهـوره أعلاك
ومن الذي غذاك من نعمــائه ومن الكروب جميعها أنجاك
ومن الذي تعصى ويغفر دائمًا ومن الذي تنسى ولا ينساك
ومن الذي بألست أسمعك النداّ ومن الذي بوصـاله ناداك
ومن الذي يدنو إليك بفضـله وإذا سـألت جنابه أعطـاك
ومن الذي عند الشدائد تقصدن ومن الذي إن تسـألن لباك
ومن المجيب ذا سـألت جنابه وإذا طلبت وداده أعطـاك
ومن الذي منح الجميل بفضله ومن الذي بتلطف أحيــاك
ومن الذي كشــف الحجاب توددا حتى رأت أنـــواره عيناك
ومن الذي ملأ الفــؤاد بحبِّه وبسره عند الصـفا ناجـاك
ومن الذي أولاك نـور جماله وبذكره وشهـوده صــافك
فكر تراه ظاهـرًا بجمـــاله متـنزلاً وهـو الـذي والاك
بِكَ قَدْ سَمِعْتُ لَكَ اعْتَرَفْتُ فَنَظْرَةٌ أُعْطَى بِهَا يَا سَــيِّدِى جَدْوَاكَ
والوجه أشـرق حولنا بجمـاله وعيوننا قد تشـهد الأمـلاكّ
سلم على المحبوب نـور قلوبنا طه الذي بجمـــاله حلاَّك

والشاعر الحكيم قال:
وفي قبض كف الطفل عند ولادة دليل على الحرص المركب في الحي
وفي بسطها عند الممات إشـارة ألا فانظروا أني خرجت بلا شـئ

[1] رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس


منهج العناية بالطفل في الإسلام

أسرار الرضاعة الطبيعية
أكد الله على أَمْرٍ مهم تنصَّلت منه بعض الأمهات في عصرنا هذا وبدأن ينصحن أنفسهن بذلك لا سيما اللاتي يذهبن إلى ميادين الأعمال، حيث تنصح إحداهن الأخرى قائلة: إياك أن ترضعي طفلك رضاعة طبيعية لأن ذلك يجعل صدرك يتهدل ويصبح قوامك غير رشيق لكن الله كما قال في كتابه: }إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ { فقد خرج علينا الطب الحديث ليحذرهن من ترك الرضاعة الطبيعية عن طريق ثدي الأم أو التهاون بها لأن ذلك يعرض الأم لمرض سرطان الثدي والذي ثبت علميًا أن الرضاعة الطبيعية هي خير وسيلة لاكتساب المرأة المناعة من الإصابة به. فالمرأة التي تخشى من إرضاع طفلها خوفًا على مظهرها، قد تتعرض لإزالة الثديين بالكلية إذا أصيبا بهذا الداء الخبيث وصدق الله إذ يقول}وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ{والحول هو سنة هجرية كاملة وكل الأحكام الخاصة بأمور النساء في القرآن من حيض ونفاس وعدة وحمل ورضاع تحسب بالأشهر الهجرية لأنها هى التي نزلت بها الأحكام التشريعية ولذا أمر الله بالرضاعة من ثدي الأم وحث عليه حتى في أحلك الظروف فهذا فرعون مصر عندما أصدر أمرًا لجنوده بقتل كل مولود يولد ذكرًا لبني إسرائيل خشية زوال ملكه وكانت أم موسى حاملًا به فأعدت خطة لإخفائه عن فرعون وجنوده عقب ولادته ولم تفكر في أمر الرضاعة ولكن الله لإحاطته سبحانه وتعالى بأثر هذه الرضاعة الطبيعية أشار عليها بذلك قائلاً}وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ {ومن أجل أن يؤكد لنا الله على أهمية هذه الرضاعة حَرَّمَ على موسى أثداء النساء ووجه أخته لتقتفي أثره وتتعرف على خبره، فلما وجدته لا يرضع دلتهم على أمه فأرجعه الله إلى أمه ليرضع من ثديها حرصًا عليه وإلى ذلك الإشارة بقول الله} وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ {
لماذا كل هذه العناية من الإسلام بالرضاع من ثدي الأم؟ لأن بالثدي المعمل الإلهي الذي جهزه الله لتغذية وإرواء وتحصين الولدان ومهما تقدمت البشرية في العلم، واخترعت من أجهزة ومعدات فلن يستطيع أفذاذ العلماء أن يجهزوا معملًا لتغذية الطفل الرضيع بهذه الكيفية الإلهية فإنه ينزل اللبن بقدر معلوم على قدر حاجة الصبي فأول جرعة تخرج من هذا المعمل للطفل عقب ولادته وتسمى(لبن المسمار) تحوي كل العناصر التي يحتاجها جسم الطفل لتنشيط أعضاءه وتأهيله لمواجهة هذه الحياة، كما أنها تحوي تطعيمًا واقيًا لكل الأمراض التي يتعرض لها الطفل في هذه الفترة وهكذا يقوم الثدي بإمداد الوليد بما يحتاج إليه من عناصر غذائية وأمصال وقائية كلما تقدمت به السن وليس هذا فقط بل إنه يجعل اللبن للطفل حارًا شتاءًا باردًا صيفاً حتى لا يتعرض الطفل للنزلات المعوية والإصابات الصدرية التي يتعرض لها من يرضعون بالوسائل الصناعية ويستغنون بها عن الرضاعة الطبيعية، والأعجب من هذا أن هناك جهازًا غير مرئي يتخاطب بلغة ربانية بين معمل الألبان في ثدي الأم وبين الطفل فعندما يحس الطفل بالجوع تجد المعمل الرباني بالثدي وقد جهز الوجبة الكاملة والأم تترجم عن ذل قائلة: أشعر بأن اللبن كثير في ثديي، فقد طلبه الطفل بطريق غير مباشر فجهزه له الإله القادر كيف يلتقم الطفل حلمة ثدي الأم؟ وكيف يقوم بمص الثدي ليدر اللبن؟ إن ذلك كله يتم بإلهام مباشر من الله ولذلك حتى بعد نمو أسنانه فإنه لا يؤذي الثديين بها بينما ينزل اللبن معقما تعقيما كاملًا مع مراعاة تدرج النمو للطفل فمثلًا عند ظهر أسنانه تجد نسبة الكالسيوم تزيد في اللبن لحاجة الأسنان إلى هذا العنصر في نموها ومن بديع صنع الله أن الأم التي ترضع طفلها من ثديها يرجع رحمها إلى حالته العادية بإذن الله في وقت يسير حيث أثبت الطب الحديث أن هناك علاقة بين حركة مص الثديين للطفل وانقباض عضلات الرحم أضف إلى ذلك أن الرضاع يحفظ نسبة كبيرة من الأمهات من الحمل أثناء رضاعها لطفلها وقاية من الله وعناية منه سبحانه وتعالى بالأم وطفلها

تأثير الرضاع في الطباع

إن الأسرار الطبية والعلمية للرضاعة الطبيعية كثيرة جدًا لا نستطيع حصرها في هذا المختصر، ولكن القرآن الكريم يلفت نظرنا إلى أمر غريب يحدث للطفل الذي يرضع من ثدي أمه وهو أن الأم مع رضاعها لطفلها تعطيه حنانها وتمده بعطفها، وتوليه شفقتها، وتؤثر فيه برحمتها فيشب الطفل حليمًا لا يغضب بسرعة، ولذلك تجد الطفل الذي يرضع بالوسائل الصناعية سريع النرفذة، كثير الضجر، ملول، لأنه لم يرضع الحنان والعطف والشفقة من أمه وقد قال الحكماء في ذلك: إن الرضاع يغير الطباع، ومن أعجب ما روي في ذلك أن الإمام الحسن البصرى t وهو إمام التابعين في الزهد والورع والفقه إنما يرجع السبب في ذلك إلى مصَّةِ لبنٍ مصَّها من ثدي السيدة أم سلمة رضى الله عنها زوجة النبي وتفصيل ذلك أن أمَّه كانت تخدمها، وكانت السيدة أم سلمة ترسلها في قضاء مصالحها وترقب طفلها حتى تحضر، فكان أحيانًا يبكي فكانت تعلله بوضعها لثديها في فمه وإن كان ليس به لبن، لأنها كانت قد تجاوزت الثمانين. وشاءت إرادة الله أن تحدث المعجزة ففي أحدى هذه المرات إذا بالثديي يمتلئ باللبن ويرضع منه الطفل حتى يشبع وقدأرجع العلماء سر علو شأنه في العلم والفقه والورع والزهد إلى هذه الرضعة وقد حدث أيضًا أن أسلم رجل نصراني على يد أحد الصالحينفسماه صهيبًا الرومي وذات يوم قال له: (يابُني زُرْ أُمَّكَ التي أرضعتْكَ لبنَ الإسلام).فتعجب من هذا الكلام وذهب إلى أمه وكانت قد هداها الله للإسلام وسألها عمن تكون المرأة التي أرضعته غيرها، فأخبرته أنها بعد ولادته مرضت مرضًا شديدًا وأجرت على أثره عملية جراحية،وقد منعها ذلك من إرضاعه لمدة ستة أشهر كاملة، فتولى إرضاعه في تلك الفترة جَارَةٌ لهم مسلمة ذكرتها له فعلم علم اليقين أن تلك الرضاعة وذلك اللبن هما السبب في هدايته إلى التوحيد، وإصابته فطرة الله التي فطر الناس عليها.لهذا كله أمرنا الله ن نرضع الطفل من الأم، حتى أنه لو حدث شقاق بين الزوجين، وانفصلت الأم عن زوجها فإن الشريعةا لإسلامية تلزم الأب أن يسلم الطفل إلى الأم لترضعه من ثديها ويدفع لها الأب تكاليف رضاعها، ويعطيها أيضًا أجرًا على إرضاعها لطفلها. إلا إذا رفضت الأم ذلك فعلى الأب أن يحضر للطفل امرأة أخرى ليرضع من ثديها أيضًا ويتحمل تكاليف ذلك وإلى ذلك الإشارة بقول الله }وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ َوَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {وتلك عناية لم يسمع بها الأولون ولا الآخرون نحو الطفل الرضيع وفي ذلك يقول الشيخ محمد على سلامة في كتابه [خواطر إيمانية ص12]: إن الأم ترضع الولد مع لبنها الرحمة والعطف والحنان والحب والوفاء والإخلاص والبر والود والإحسان ومعان كثيرة تتعلق بصفات الأم من الإيمان والشجاعة والثبات على المبدأ أو التفاني في سبيل الحق والواجب وحب الوطن وغير ذلك، ويظهر ذلك من قول الله تعالى:}وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ {
وما أحسن قول حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتهـا أعددت شعبًا طيب الإعراق
الأم روض إن تعهده الحيا بالري أَوْرَقَ أيَّمــا إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الأولى شغلت مآثرهم مدى الآفاق


كراهة الحمل أثناء الرضــاع
والرضاع وقت الجماع
إن الإسلام بلغ أرقى ما وصلت إليه الحضارات قاطبة في عملية الرضاعة الطبيعية، ومن عجائب وصايا رسول الله صل الله عليه وسلم في هذه الناحية قوله:
{ ولا تقتلوا أولادكم سرًا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه }[1]
والغيل هو أن تحمل الأم وهي ترضع، وقد نهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن الحمل أثناء الرضاعة ـ والنهي هنا على سبيل الكراهة ـ حتى تأخذ الأم قسطها من الراحة بعد عناء الحمل والولادة، ويأخذ الرضيع حقه من الرعاية والعناية التى أوجبها الله عزوجل له، فالأم إذا حملت يتغير اللبن في صدرها فيضر رضيعها، وهذا بالإضافة إلى أنها لا تستطيع أن تغذي الجنين والرضيع في وقت واحد، فلا بد أن تتفرع لواحد منهما.
وفي ذلك يقول الشيخ محمد على سلامة [في كتابه (خواطر إيمانية) ص 15]:
(ومعنى الحديث - والله أعلم - أن لا تأتوا الأمر المستتر بينكم - وهو الوطأ - أثناء إرضاع أولادكم فيتسبب عنه الحمل الذي يودي بحياة أولادكم. وهذا توجيه كريم من رسول الله صل الله عليه وسلم ، وتنبيه إلى أن مباشرة الزوجة أثناء رضاعها إغتيال لحق الطفل وهضم له، لأن في هذا هلاك له سرًّا أي بطريقة لا يعرفها أحد إلا الخاصة من الأطباء والعلماء بسنَّة النَّبيِّ صل الله عليه وسلم، لأنه هو الطبيب الذي بعثه الله لعلاج الإنسانية، وحل مشاكل المجتمع في كل ناحية من نواحي الحياة. وهذا الحديث يعتبر من الإعجاز النبوي الذي يخبر عن دقائق العلوم التي كشف عنها الطب بعد طول الزمن مع ملاحظة أن الرسول صل الله عليه وسلم قال:
لا تقتلوا أولادكم سرًّا كأن حمل المرأة أثناء إرضاعها الطفل قتلاً له).
وقد نبه الإسلام على أمر طبي عظيم وهو ألا ترضع الأم طفلها بعد قيامها بمجهود جسماني أو عصبي كبير، فنهى الأم عن إرضاع طفلها بعد الجماع إلا بعد أن تغتسل، أو تغسل ثديها، لماذا؟.
لأن الدم يجري في جميع عروقها في تلك اللحظة، فربما ينزل اللبن مختلطًا بالدم فيمرض منه الطفل فتكون هي التي أمرضته، لأنها لم تلتزم بأحكام الله، وبأوامر سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم وجاء في كتاب (أسرار القرآن) جـ2 ص52:
(فإن نكاح الرجل زوجته وهي ترضع سبب في إمراض المولود إلا إذا إحتاط لنفسه فأمرها بالامتناع عن رضاع الولد حتى تطهر لأن هذا النكاح يجعل الدم يسري في الثديين، فإذا أرضع الولد عقب الجماع مباشرة تسمم!! وأكثر أمراض الأطفال من هذا العمل الجاهلي).
وقد أبدى الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، إعجازًا في إدراكه لأسرار بكاء الطفل، وذلك حين أشار علينا بعدم التخوف من كثرة بكائه، لإخباره صل الله عليه وسلم فى معنى حديثه أن بكاء الطفل تسبيح، ولم يُكتشف هذا السرُّ إلا في العصر الحديث حيث يطالب الأطباء بترك الطفل الرضيع يبكي، وعدم التسرع في كفِّه إلا إذا زاد عن قدر الاعتدال، لأن ذلك البكاء يعمل على توسيع الصدر والرئتين، فسبحان الخلاق العليم، الذي قدر كل شئ خلقه ثم هدى.

[1] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني عن أسماء بنت يزيد بن السكن

رعاية الصبيان
فإذا شب الطفل ودرج يبدأ الوالدان في ترويضه على المبادئ الدينية ليشب عليها أنسًا بها متعشقًا لها وليعلما علم اليقين أن أول طريق يكتسب به الصبي القيم والآداب هو المحاكاة والتقليد وخاصة لوالديه لأنهما المثل الأعلى لناظريه في هذه المرحلة المبكرة وقد نبه إلى خطورة انتقاش ما يصدر عن الوالدين في أذهان الأولاد وتقليدهم فيه ونشأتهم عليه الرسول صلوات الله وسلامه عليه وقد روى ذلك عبد الله بن عامر فقال:
{ دَعَتْنِي أُمِّي يَوْماً وَرَسُولُ الله صل الله عليه وسلم قاعِدٌ في بَيْتِنا فقالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقالَ لَهَا رَسُولُ الله صل الله عليه وسلم : وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟ قالَتْ أُعْطِيهِ تَمْراً، فقالَ لَهَا رَسُولُ الله صل الله عليه وسلم : أُمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئاً كُتِبَتْ عَلَيْكَ كَذِبَةٌ }[1]
وتتركز رعاية الصبيان في هذه الفترة على الآداب والأخلاق وقد أشار الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) إلى نموذج من رياضة الصبيان منها:
عدم لبس الملابس التي توحي بالأنوثة والنعومة ومقاطعة من يلبسونها والاجتهاد في تعليم الصبي حكايات الأخيار ليغرس في نفسه حبهم والاقتداء بهم وعدم تعويده النوم في الفراش الوثير حتى لا يألف النعومة وأن يعوده الأخلاق الاجتماعية بعدم الفخر على أقرانه بما يملكه والده أو بشئ من مطاعمه وملابسه وأن يعف عما في يد غيره من الأغنياء أو الفقراء كما يعوده الصدق وعدم الحلف وأن يحسن الاستماع ولا يبدأ الكلام إن كان معه من هو أكبر منه وأن يصون لسانه عن اللغو والسب ولا يخالط من يفعلون ذلك
وينبه الشيخ عطية صقر في كتابه (تربية الأولاد في الإسلام)ص311 إلى خطورة هذه المرحلة فيقول:
(وليحذر المُربِّي أبًا أو أمًا أو معلمًا أن يلقن النشء معلومات خطأ أو تسليتهم بحكايات خرافية وليبعد كل البعد عن القصص الغريب الذي يروع الطفل أو يضلله أو يشوه أفكاره كما يجب أن تنبه الأم على الخصوص إلى خطر الأغاني التي ترقص بها الطفل وتدللـه فإن سمعه إذا تعودها حفظها والمعلومات التي تحويها ترسخ في ذهنه ويصعب انتزاعها وهو يتصرف على هديها إن عاجلا أو آجلا وخطر الإذاعات المسموعة والمرئية في هذا المجال كبير فلنجتهد أن تكون الأغاني والأناشيد حاملة معاني الرجولة والبطولة والعفة والأمانة والإخلاص والوفاء وطاعة الوالدين وحب الوطن وسائر الأخلاق الحميدة)

[1] رواه أحمد وأبو داود والبيهقي


تهذيب الصبي
ومع مراقبة الوالدين الفاحصة أوصى الإمام الغزالي الأب أو المربي :
- أن يتجاوز عن أى مخالفة يحدثها الصبي فلا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا سيما إذا سترها واجتهد في إخفائها لأن إظهار ذلك عليه ربما يزيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة وإن عاد ثانية عوتب سرًا ويهدده بالعقاب إن تكررت مخالفته.
- وألا يكثر عليه من اللوم في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام في قلبه.
- وأن يكون الأب حافظًا هيبة الكلام معه ولا يوبخه إلا أحيانًا كما يوصي بأن تكون المؤاخذة بالتعريض لا بالتصريح حتى لا يجرح إحساسه ويغريه بالعناد.
فإذا لم يفد ذلك صرح بالإنكار وعاقب بما يراه وهذا مأخوذ من هدي النبي r فإنه كان إذا راى تقصيرًا من بعضهم نبه عليه بالعنوان العام أو بعدم تحديد الشخص الذي وقعت منه المخالفة فقد قال رسول الله r ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم)[1].
وفي رواية أبي داوود عن عائشة: ( كان رسول الله r إذا كره من إنسان شيئاً قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا).
نصيحة لقمان لإبنه
ونسوق هنا نصيحة لقمان الحكيم الجامعة لولده حيث يقول له:
يا بني خذ عني هذه الخصال الثمان:
الأولى: إذا كنت في الصلاة فاحفظ قلبك.
الثانية: إذا كنت بين الناس فاحفظ لسانك.
الثالثة: إذا كنت في نعمة فاحفظها بالشكر والأدب.
الرابعة: إذا كنت في دار غيرك فاحفظ عينيك.
الخامسة: كن ذاكرًا لله الخالق الحي الذي لا يموت.
السادسة: كن ذاكرًا للموت لأنه كأس يشربه الجميع.
السابعة: كن ناسيًا إحسانك إلى الآخرين.
الثامنة: كن ناسيًا إساءات الآخرين إليك.
(يا بني لا تذكر آلامك للآخرين فأغلبهم لا يهتم بها اعتبر بمن مضى قبلك ولا تكن عبرة لمن يأتي بعدك صل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك وقل الحق ولو على نفسك العظيم من يبتسم عندما تكون دموعه على وشك الانهيار)[2].
[1] رواه البخاري عن أنس بن مالك[2] عن كتاب ( الإسلام ورعايته للطفولة) للشيخ منصور الرفاعي عبيد ص 22

تم نقل الموضوع من كتاب (تربية القرآن لجيل الإيمان)

تدليل الصبي
يحث الإسلام على تدليل الطفل بأنواع التدليل المختلفة المقبولة، لإيناسه وربط قلبه بمن حوله، ويرغب الكبير أن يتنزل إلى درجة ملاعبة الأطفال ليكون معهم بقلبه وعواطفه وتصرفاته بعض الوقت وقد روي أن جبلة بن سحيم دخل على معاوية بن أبي سفيان وهو في الخلافة فرأى في عنقه حبل يقوده به صبي له فظهر على وجهه الاستنكار فلما رأى معاوية ذلك قل له: يا لكع إني سمعت رسول الله يقول:{ مَنْ كَانَ لَهُ صَبِيُّ فَلْيَتَصَابَ لَهُ}[1] وكان النبي يُدَلِّلُ الحسن والحسين وأسامة بن زيد فقد روى البخاري عن أسامة قوله{ كان رسول الله صل الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن على الأخرى}وروى أحمد عن عائشة:{أن أسامة عثر بعتبة الباب فدمي قال: فجعل النبيّ صل الله عليه وسلم يمصُّه( وفى رواية ثم يمجُّه) ويقول: لَوْ كَانَ أُسامَةُ جارِيَةً لَحَلَّيْتُها وَلَكَسَوْتُها حَتَّى أُنْفِقَها}
وروي عنه صل الله عليه وسلم أنه بينما كان يصلي بالناس إذ جاء الحسين فركب عنقه وهو ساجد فأطال السجود حتى ظنَّ الناس أنه حدث أمر فلما قضى صلاته قالوا: لم أطلت السجود يا رسول الله حتى ظننا أمراً حدث فقال:{ إنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِي حَاجَتَهُ}[2] هذا هو الأدب النبوي الذي يعلمه لنا رسول الله صل الله عليه وسلم وهو في الصلاة ولذلك فقد تعلق به صل الله عليه وسلم الصبيان وكانوا يتلمسون موضعه فقد ذهب إليه الحسن في ليلة شاتية والجو مظلم وبعد أن أخذ حظه هم بالذهاب إلى أمه فاستأذن رجل من أصحابه صل الله عليه وسلم في مصاحبته فقال صل الله عليه وسلم: دعه فإذا بمصباح من نور يضئ أمامه وهو يمشي خلفه حتى وصل إلى أمه وقد كان عمره إذ ذاك ثلاث سنوات وأيضا كان صل الله عليه وسلم يخطب على منبره وإذا بالحسن يدخل المسجد ويتوجه إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وهو يقول أبي أبي فنزل صل الله عليه وسلم من فوق منبره واحتضنه وقبله ثم حمله وصعد المنبر وأكمل خطبته وهو يحمله ليعلمنا الرحمة والشفقة والعطف والحنان rولذلك لما جاء أحد الأعراب القساة ورآه r يقبل الحسن فقال: أتقبلون الصبيان يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدًا منهم، فقال له النبي{من لا يرحم لا يُرحم}[3]وفي رواية:{أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة}وإن كان هنا أدبٌ عالٍ يجب أن نشير إليه وهو أن السيدة فاطمة t كانت تحرص على طهارة أولادها الحسن والحسين لعلمها بشدة تعلُّقهم برسول الله صل الله عليه وسلم حرصًا منها على دوام طهارة ثيابه والحق أن هذه الملاطفة تهب الطفل دفئاً وحناناً يظهر أثرهما على صحته وتعلُّقه بوالديه ومحبَّته لهما ويصف ذلك الأحنف بن قيس حين سأله معاوية عن رأيه في الولد فقال: (ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة وبهم نصول على كل جليلة فإن طلبوا فاعطهم وإن غضبوا فارضهم يمنحوك ودَّهم ويَحْبُوك جهدهم ولا تكن عليهم ثقلاً ثقيلاً فيملوا حياتك ويحبُّوا وفاتك ويكرهوا قربك) [4]على أن يحرص الوالدين على ألا يصل التدليل بالطفل إلى الفساد والإنحلال فالأمر كما قال القائل:قَسَى لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِماً فَلْيَقْسُ أَحْيَاناً عَلَى مَنْ يَرْحَمِ
فالوسط هو المحمود في كل شئ فلا بد مع اللين والرحمة من شئ من الشدة إذا لزم الأمر وذلك يقتضي من الوالدين مراقبة الطفل بدقة في كل تصرفاته لتقديم التوجيهات المناسبة في الوقت المناسب لأن الإهمال يغري الطفل بالتهاون والنفس تميل إلى الراحة والإنطلاق من القيود والغرائز عند الناشئين قوية والمقاومة العقليه ضعيفة عندهم.
ولذلك فالرسول صل الله عليه وسلم مع شدة رحمته بالأولاد عندما التقط الحسين تمرة من الصدقة ولاكها فى فمه قال له: كخ كخ ليطرحها وأخذها منه وأبعدها[5] وفيما روى: أيضاً من السنة المطهرة{قدمت على أهلي ليلاً وقد تشققت يداي فخلقوني بزعفران فقابلت الرسول rصباحًا فسلمت عليه فلم يرد السلام ولم يرحب بي وقال: اذهب واغسل عنك هذا فغسلته ثم جئته فسلمت عليه فَرَدَّ عليَّ ورحَّبَ بِي} [6]وقد جاء في وصية الرشيد لمؤدب ولده: (ولا تمعن في مسامحته فيستحلى الفراغ ويألفه وَقَوِّمْهُ بالتقريب والملاينة فإن أبى فالشدة).
وهكذا فالطريق في رياضة الصبيان والاهتمام بتربيتهم من أهم الواجبات وأعظمها شأناً وأروعها قدراً وأثراً لأن تربية الطفل أهم شئ في هذه الحياة وأكبر دعامة في بناء الأجيال ومستقبل الآمال وقيام مجتمع صالح تعتمد عليه الروحانية الإسلامية وتقوم به الأخلاق الحسنة والصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة في يديهما قابل لكل نقش مائل لكل صورة فإن عودته الخير وعلمه نشأ عليه وتربى خير تربية يسعد بها في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل من اشترك في تلقينه الفضيلة وتوجيهه إلى هذه الناحية من نواحي الحياة الدينية والسعادة الروحية وإن عودته الشر وتركته فيه وأهملته في مراتع السوء ومزالق الشرور شقي وهلك وكان الوزر في عنق القيّم عليه والمتولي أمره فينبغي أن تعوِّد الطفل على الفضيلة وتربيه على محاسن الأخلاق وجميل الصفات ولا تتسامح معه في ترك الصلاة والصيام وسواهما من الواجبات الشرعية ولا تدعه يتخبط مع الصبيان في ميادين اللهو واللعب، ونوادي الفحشاء والمنكر وغيره من رذائل الأخلاق حتى يبلغ وتتمتع سنه بالحكمة والعقل.
ومن الأمثلة الطيبة في هذا المجال ما يرويه سهل بن عبد الله عن نفسه حيث يقول: كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يومًا ألا تذكر الذي خلقك؟ فقلت: وكيف أذكره؟ قال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: " الله معي الله ناظر إليّ الله شاهد عليّ "فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته فقال: قل في كل ليلة سبع مرات فقلت ذلك ثم أعلمته فقال: قل ذلك في كل ليلة إحدى عشر مرة فقلته فوقع في قلبي حلاوته فلما كان بعد سنة قال لي خالي: إحفظ ما علمتك ودُمْ عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لذلك حلاوة في سري، ثم قال لي خالي يومًا: يا سهل من كان الله معه وناظر إليه وشاهده أيعصيه؟ إياك والمعصية فكنت أخلو بنفسي فبعثوا بي إلى المكتب فتعلَّمتُ القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين وكنت أصوم الدهر وكنت أقوم الليل كله.[7] فتعود الطفل على الأخلاق الفاضلة وطاعة الله تعالى تكسب سعادة الدنيا والآخرة.

[1] أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عساكر

[2] رواه النسائي والحاكم وأحمد عن شداد بن الهاد عن أبيه

[3] رواه البخاري عن أبي هريرة، والرواية عن عائشة

[4] [العقد الفريد ج 1 ص 196].

[5] رواه البخاري ومسلم.

[6] أخرجه أبو داود عن عمار بن ياسررضى الله عنه
[7] ]من كتاب النفس أمراضها وعلاجها في الشريعة الإسلامية لمحمد الفقي ص 162

تقويم الصبي

إن منهج التربية الإسلامية يربي الناس على الخوف مما ينبغي أن يخافوه والتعلق بما ينبغي أن يتعلقوا به وينفي عن القلب البشري الخوف مما لا ينبغي أن يخاف والتعلق بما لا ينبغي التعلق به يربيهم على الخشية والتقوى لله والخوف من عذاب الله وغضبه المؤدي إلى العذاب وعدم الخوف من شئ أو على شئ آخر ويربيهم على التعلق بالله وطلب العون منه وحده لا من أحد من خلقه والتعلق بالآخرة ونعيمها ورضوان الله المؤدي إلى النعيم وعدم التعلق بما يشغل الإنسان عن هذا الأمر ومن النماذج الطيبة في ذلك ما روي:{ أنَّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه مرَّ على مجموعة من الصبيان فلما رأوه جَرُوا جميعًا ما عدا عبد الله بن الزبير فسأله عمر: لِمَ لَمْ تفعل كما فعل بقية الصبيان؟ فأجابه: لم أفعل شيئًا يستحق العقوبة فأخاف منك ولم يكن الطريق ضيقًا فأوسعه لك}ومن هنا تكون التربية بالمثوبة والتربية بالعقوبة وسيلتين أساسيتين من وسائل التربية للإنسان كل إنسان والطفل أولى بطبيعة الحال ففي المرحلة الأولى تكون عملية التشجيع للطفل ضرورية دائمًا لأن الأعمال التدريبية التي يقوم بها ليستكمل نموه كالمشي والوقوف والكلام شاقة ومجهده ولا بد من حفزه عليها حفزًا لكي لا يتوقف نموه والتشجيع قد يكون بابتسامة أو بقبلة حانية من الأم أو الأب أو بتربيته على جسمه أو بإحداث ضجة كبيرة حول الطفل يشعر فيها بالاهتمام الشديد به وبجو المودة حوله أو بلعبة تعطى له كمكافأة على الجهد الذي بذله أو بشئ من الحلوى والطعام أو بأي شئ مما يعرف الوالدان من دراستهما لطفلهما أنه محبب إليه ومن ثم فهو مشجع له.
التقويم بالعقوبة

أما العادات السيئة التي يتعرض لها الطفل وهي كثيرة فلا بد من إبطالها ولو كان في ذلك مشقة على الطفل وعلى والديه كذلك والخوف من إزعاج الطفل أو مضايقته بمنعه عن عاداته السيئة المحببة إليه أو الخوف عليه من تأثير عملية الزجر على مشاعره وأعصابه معناهأننا سنتركه لعاداته السيئة تلك تستفحل وتستعصي على العلاج فيما بعد أو تترك آثارًا مفسدة في شخصيته في المستقبل ويرد الأستاذ محمد قطب]في كتابه (منهج التربية الإسلامية) جـ2 ص 139[ على الدعاوي التي سببتها النظريات التربوية الحديثة التي تعتمد على التربية بالمثوبة وحدها دون التربية بالعقوبة فيقولولكن التشجيع وحده قد لا يكفي ولا شغله عن العادات السيئة بأخرى إذ تكون العادة السيئة أشد تأصلًا في نفسه أو يكون هو أشد تعلقًا بها بحيث لا يلهيه شغله عنها ولا تشجيعه على تركها عنندئذ لنا عندنا خيار عن صرفه عنها بالزجر اللين في بادئ الأمر ثم الحاسم في نهاية الأمر ولو أدى ذالك إلى استخدام العقوبة البدنية في نهاية المطاف ذلك أنه من المحتم – لصالحه هو نفسه – أن يكف عن هذه العادات السيئة ولا بد من الوصول إلى إبطالها بأي وسيلة فإذا لم تجد الوسائل اللينة كلها فما العمل إلا استخدام وسيلة خشنة؟ ولا خوف على الطفل من العُقَدِ ولا الكَبْتِ ولا ضمور الشخصية ولا شئ مما تلوكه النظريات المريبة كلها ما دام الزجر أو العقاب لا يتجاوز الحد المعقول والحد المعقول تحدده حكمة المربي وخبرته وتقرره كذلك طبيعة الطفل ذاته).

ثم إن التشجيع الذي تريد تلك النظريات المريبة أن تجعله هو الوسيلة الوحيدة للتربية ليس سلاحًا مأمونا في كل حالة ولأي مدى من الزمن بلا حدود بل إن له مخاطر وينبغي الكف عنه بمجرد أن تظهر هذه المخاطر وأكبر المخاطر فيه أن يتحول عند الطفل إلى شرط للقيام بالعمل المطلوب أو الكف عن العمل غير المرغوب أي أنه يمتنع عن الإتيان بالعمل إذا لم يجد حافزًا عليه أو يمتنع عن الكف عن عمل سيئ حتى يقبض الثمن للكف هنا تصبح المثوبة شرًا خالصًا لا خير فيها لأنها تعوق الإحساس"بالواجب"الواجب الذي ينبغي أن يعمل لأنه واجب في ذاته لا لأنه هناك أجر عليه وهذا تعويق للنمو النفسي وإفساد كذلك للشخصية)
وهكذا فينبغي أن ننتقل بالتشجيع درجة درجة مع مراحل النمو العقلي والنفسي للطفل حتى ينتهي إلى أعلى درجاته وهى العمل أو الكف عن العمل إبتغاء مرضاة الله، ودرجات التشجيع: ..
- في البداية تكون الحلوى أو اللعبة أو النقود أداة التشجيع.
- ثم يرتقي التشجيع درجة فيصبح: من أجل أن تحبَّك أمك أو أن يحبَّك أبوك.
- ثم يرتقي درجة أخرى فيصبح: من أجل أن تكون ولدًا طيبًا(أو بنتًا طيبة) ويحبَّك أبوك وأمك ويقول الناس إنك طيب.
- ثم يرتقي إلى درجته العليا فيصبح: من أجل أن تكون طيبًا ويحبَّك الله ويرضى عنك ... وعلى هذه الصورة ينبغي أن يظل حتى يلقى الله.
أما العقوبة لا نلجأ إليها ابتداءًا إنما نبدأ بالتشجيع ولا نلجأ إليها أبدًا إلا حين يفشل التشجيع أو يبدأ يدخل في الدائرة الضارة حين يصبح شرطًا مشروطًا لا يتم العمل أو الكف عن العمل إلا به والعقوبة درجات:
- تبدأ من الكف عن التشجيع ( وهذه في ذاتها عقوبة لمن كان يتلقى التشجيع من قبل).
- إلى الإعراض المؤقت وإعلان عدم الرضا.
- إلى العبوس والتقطيب والزجر بصوت غاضب.
-إلى المخاصمة الطويلة والمقاطعة (أو التهديد بها).
-إلى الحرمان من الأشياء المحببة إلى الطفل (أو التهديد به).
-إلى التهديد بالإيذاء.
-إلى الضرب الخفيف.
-إلى الضرب الموجع وتلك أقصى الدرجات.
ولا ينبغي تخطي ذلك التدرج والبدء بالنهاية وهي الضرب سواء كان خفيفًا أو موجعًا حتى لا يتعود الجسم على الأذى فلا يعود يتأثر به كثيرًا وعندئذ نكون قد فقدنا كل وسائلنا الفعالة دفعة واحدة لأن من يتبلد حسُّه على الضرب – وهو أقسى العقوبات –لا يزجره ولا يؤثر فيه وَجْهٌ عابس ولا صوتٌ غاضب ولا حرمانٌ ولا تهديدٌ بحرمان وعندئذ ماذا نفعل؟ وهذا خطر الإسراف في العقوبة والضرب بصفة خاصة إن العقوبة تظل شيئًا مرهوبا قبل تنفيذه ثم يكون لها وقعها الكامل في أول مرة تنفذ ولكن إن تكررت في المدى القريب تظل تفقد شيئا من تأثيرها كل مرة حتى يعتادها الحس وتصبح بغير تأثير ومن ثم تصبح بغير فائدة ولذا فينبغي أن يستهدف المربي الإصلاح الحقيقي ويبحث عن الوسائل الفعالة الموصلة إليه ويكف عن الوسيلة إذا ونجد أنها لا تؤدي إلى الإصلاح المنشود أو وجد أنها – بدلاً من أن تصلح – تزيد الفساد.

العقاب بالضرب في الإسلام
وعن حكم الإسلام في العقاب بالضرب يقول الشيخ عطية صقر في كتابه (تربية الأولاد في الإسلام) ص 333 : (والعقاب بالضرب موجود منذ القدم في تأديب الأولاد في البيوت والمدارس وقد رخص به الإسلام في ضرب الزوجة الناشز إذا لم تفلح الموعظة والهجر، وكما تقدم في حديث:{مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع }[1]غير أنه ينبغي ألا يكون الضرب مبرحًا، وأن يستعمله عن من لا يقومّه إلا ذلك وقد دخل ولد لعمر بن الخطاب عليه وقد ترجَّل (مشَّط شعره) ولبس ثيابًا حسنة فضربه بالدرة حتى أبكاه فقالت حفصة:{لِمَ ضربته؟ فقال: أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ فأحببتُ أن أُصغرها إليه }وجاء في فتوى نشرت بمجلة الأزهر أن النبي صل الله عليه وسلم قال لمرداس المعلم{ إياك أن تضرب فوق الثلاث فإنك إن تضربه فوقها اقتص منك}واستنتجت الفتوى جواز الضرب بما جرت به العادة وألا يكون على المَقَاتِل أو الوجه أو الرأس وألا ينشأ عن ذلك ضرر كتشويه لحم أو كسر عظم فإن حصل منه شئ من ذلك ضمنه ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://chelghoum-laid.alafdal.net
مدير المنتدى
المدير العام
المدير العام
مدير المنتدى


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 258
نقاط : 4618
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 14/07/2013
مكان السكن : شلغوم العيد
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : طالب جامعي

تربية القرآن لجيل الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تربية القرآن لجيل الإيمان   تربية القرآن لجيل الإيمان Icon_minitime1الجمعة أغسطس 16, 2013 11:17 pm

ثانيا: الإعداد العقلي
ويقصد به إعداد الطفل عقليا وتهيئته كي يكون سليم التفكير، قادرًا على النظر والتأمل، يستطيع أن يفهم البيئة التي تحيط به، ويحسن الحكم على الأشياء، ويمكنه أن ينتفع بتجاربه، وتجارب الآخرين.
فالإسلام دين الفطرة فهو يحترم الطاقات البشرية كلها، لأنها هبة الله المنعم الوهاب: } قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ { [23- الملك]. ولكنه يعطيها أقدارها الصحيحة، ومن ثم فهو يحترم الطاقة العقلية، ويشجعها ويربيها لتتجه نحو الخير، ويمكن تلخيص هذا الإعداد باتخاذ الوسائل الآتية:
- التعليم:
وقد أرشد الإمام الغزالي ]في كتابه (إحياء علوم الدين) ج3 ص73[ إلى تدعيم هذه الناحية التربوية والعقلية بقوله: )ينبغي حفظ الصبيان عن رداءة الأخلاق من كذب وحسد ونميمة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب، ثم يُشغل في المكتب فيتعلم القرآن وأحاديث الرسول صل الله عليه وسلم وحكايات الأبرار، لينغرس في نفسه حُبُّ الصالحين(.
وفي مقدمة ابن خلدون إشارة إلى أهمية تعليم القرآن الكريم للأطفال، وتحفيظه لهم، وأوضح أن تعليم القرآن الكريم هو أساس التعليم في جميع المناهج الدراسية في مختلف البلاد الإسلامية، لأنه شعار من شعائر الدين، يؤدي إلى تثبيت العقيدة ورسوخ الإيمان. ويقول سعد ابن أبي وقاص:
(كنا نعلِّم أولادنا مغازي رسول الله صل الله عليه وسلم ، كما نعلمهم السورة من القرآن الكريم).
ولهذا يجب علينا أن نقف أمام المعلم الأول والمربي الحكيم مولانا رسول الله صل الله عليه وسلم لنتعلم منه ما يجب على المربي أن يفعله مع الطفل، إذ قال صل الله عليه وسلم :
{ افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله }[45]
ويقول ابن عباس رضى الله عنهما :
{ اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومُرُوا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فذلك وقاية لهم ولكم من النار }
وروى الطبراني عن الإمام على كرَّم الله وجهه أنه قال:
(أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن الكريم، فإن حملة القرآن الكريم في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه).
فلا يجب علينا أن نترك عقول أولادنا للمسلسلات التافهة، والأفلام الفارغة والمسرحيات العابثة فتملأ عقولهم بالأفكار الفجَّة، والمعلومات الغثَّة، لأن هذه مسئوليتنا، بل يجب أن نطبق منهج النبوة عليهم، فكما أنك مسئول عن توفير الطعام والكسوة والعلاج والتعليم لإبنك، فأنت أيضًا مسئول مسئولية أكبر أن تحفظ له قلبه وتُعَمِّرَ له عقله بالإيمان، فإذا كنت حريصاً على صحته الجسدية، فيجب أن يكون حرصك أكبر على صحته الإيمانية، وإذا كنت حريصاً على أن أوفر له جلباباً يحميه من الحرِّ والبرد في الدنيا، فلا بد أن أخيط له جلباباً يحميه من حرِّ وزمهرير جهنم، وذلك لا يكون إلا من كتاب الله عزوجل ، وفي ذلك قيل:
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التُّقى تجرَّد عريانًا وإن كان كاسيّا
ولكي يتم ذلك فعلينا تعليم أولادنا حُبَّ القرآن والإقبال على القرآن، وحفظ القرآن، وفهم القرآن، حتى يصيروا مغموسين بأنوار القرآن، وبأنوار حضرة الرحمن، ثم نعلمهم حب رسول الله صل الله عليه وسلم . فأغلب أطفالنا الآن لا يعرفون غير لاعبي الكرة، والممثلين والممثلات، والمطربين والمطربات، وبالتالي لا يحبُّون غيرهم، مع أن معظم هؤلاء سيكونون يوم القيامة في الفئة التي يقول الله عزوجل فيها: } وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ { [41- القصص].لكني أريد أن أربيهم في صفوف القوم الذين يقول الله فيهم: } وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا { [74- الفرقان]. وهم أئمة أهل الجنة، وهؤلاء لا بد أن ترتبط قلوبهم بقلب رسول الله صل الله عليه وسلم .
كيف أعلِّمُهم حُبَّ رسول الله صل الله عليه وسلم ؟
أحكي لهم سيرته، وأوضح لهم حياته، وأبين لهم مواقفه ومتاعبه في الدعوة إلى الله، وما تحمله في سبيل نشر دين الله، وأعرض عليهم الفضائل التي خصَّه الله عزوجل ، خاصة وأن محبته صل الله عليه وسلم ، سرُّ الفوز بالنعيم المقيم يوم لقاء الله، لقوله صل الله عليه وسلم :
{ يحشر المرء مع من أحب يوم القيامة }، وقوله أيضاً: { ما اختلط حبي بقلب عبد مؤمنٍ إلاَّ حرَّمه الله على النار }.[46]
وقد كان لهذه التربية أثر بالغ في نفوس أبناء أصحابه الكرام، فقد روي أنه بعد بيعة الرضوان التي تمت في صلح الحديبية فوجئت السيدة عائشة رضى الله عنها بمظاهرة كبيرة من الأطفال الصغار يدخلون عليها، ويتقدمهم ابن أختها عبد الله بن الزبير، فسألتهم عن سبب مجيئهم، فأخبروها أنهم سمعوا عن مبايعة الرسول صل الله عليه وسلم ، لأصحابه فأرادوا أن ينالهم شرف ذلك، فأخبرت رسول الله صل الله عليه وسلم بذلك، فأمر بإدخالهمم وصافحهم، وسُرَّ بهم، ودعا لهم.
وعلينا بعد ذلك أن نحببهم في الصالحين من عباد الله، وهم الأتقياء والعلماء العاملين، والحكماء، ونجعلهم يميلون إليهمم ويتشبهون بهم ليتعلموا منهم الخشية والتواضع، والوقار والأدب والحبّ، والإخلاص والصدق، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رضى الله عنه :
أحب الصالحين ولست منهم عسى أني أنال بهم شفاعةّ
وأكـره من تجارته المعاصى وإن كنا سويًّا في البضاعة
وقد ردت عليه السيدة نفيسة رضى الله عنها قائلة:
تحب الصالحين وأنت منهم لعلهم ينالوا بك الشفاعـة
وتكـره من تجارته المعاصى حماك الله من تلك البضاعة
فإذا عمَّرت عقله وقلبه بكتاب الله، وأحاديث رسول الله، وقصص الصالحين، فإنه يشبُّ على النقاء والصفاء، وقد طَهُرَ من الغِلِّ والغشِّ والحقد، فيصير رجلاً نافعاً لنفسه ولأهله ولمجتمعه.
- التأمل والتفكير
وهما ضروريان لتنمية العقل واستقلاله بالفهم والإدراك، والقرآن الكريم حافل بالآيات التي تدعو الإنسان إلى التأمل وإيقاظ النفس، واستشعارها لعظمة الله وقدرته في الكون، لقوله تعالى فى [164- البقرة]:.
} إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون {
ويبدأ الإسلام التربية العقلية هنا بتحديد مجال النظر العقلي، فيصون الطاقة العقلية أن تتبدد وراء الغيبيات التي لا سبيل للعقل البشري أن يحكم فيها. وهو يعطي الإنسان نصيبه من هذه الغيبيات بالقدر الذي يلبي ميله للمجهول، ولكنه يَكِلُ أمر ذلك إلى الروح فهي القادرة على ذلك، المزودة بوسائل الوصول، أما العقل فوسيلته إلى الله وإلى معرفة الحق، هي تدبر الظاهر للحسِّ والمُدْرَكِ بالعقل.
ثم بعد ذلك يأخذ في تدريب الطاقة العقلية على طريقة الاستدلال المثمر والتعرف على الحقيقة، فيتخذ إلى ذلك وسيلتين:
الوسيلة الأولى: وهي وضع المنهج الصحيح للنظر العقلي فينعى على المقلدين الذين يقولون: } إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ { [23- الزخرف]. وينعي على الذين يتبعون الظن: } إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ { [23- النجم]. ثم يأمر بالتثبت من كل أمر قبل الاعتقاد به واقتفائه: } وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً { [36- الإسراء].
والوسيلة الثانية: هي تدبر نواميس الكون - تطبع العقل بطابع من الدقة والتنظيم، فيوجه الإسلام الطاقة العقلية أول ما يوجهها إلى التأمل في حكمة الله وتدبيره. وهذا التأمل غايته إصلاح القلب البشري، وإقامة الحياة على الأرض على أسس من الحق والعدل الأزليين الكامنين في بنية الكون وبنية الحياة، وفي يقول كريس موريسون ]في كتابه )العلم يدعو للإيمان[(:
(إنَّ وجود الخالق يدلُّ عليه تنظيمات لا نهاية لها، تكون الحياة بدونها مستحيلة، وإن وجود الإنسان على ظهر الأرض، والمظاهر الفاخرة لذكائه، إنما هي جزء من برنامج ينفذه بارئ الكون).
ويوجِّه الإسلام الطاقة العقلية كذلك إلى النظر في حكمة التشريع، ولذلك فقد عنى القرآن في آيات التشريع بأن يوقظ العقل البشري لتدبر هذه الآيات، وفهمها ووعيها، حتى يستطيع تطبيقها على خير وجه.
ومنذ العصر الأول ظهرت حتى في التشريعات التفصيلية الثابتة المحكمة، حالات تستدعي إعمال الفكر، وفهم الحكمة، وفهم الترابط العام بين جميع التشريعات، ومن ذلك: عدم تطبيق عمر لحدِّ السرقة على غلمان حاطب بن أبي بلتعة الذين سرقوا ناقة رجل من مزينة، لأنه اعتبر الجوع الذي يقاسونه شُبْهَةً تدرأ عنهم الحدَّ وقال لعبدالرحمن بن حاطب:{ أما والله لولا أني أظن أنكم تستعملونهم وتجيعونهم، حتى لو أنّ أحدهم يجد ما حرم الله عليه لأكله، لقطعت أيديهم }[47].
ومن جانب آخر فإن التشريعات المتعلقة بأمور متغيرة في الحياة البشرية، وهي سياسة الحكم وسياسة المال، قد اقتضت حكمة الله فيها أن يشمل التشريع الأسس والمبادئ دون التفصيلات والأشكال، لأن أية تفصيلات وأية أشكال ستكون موقوته بفترة معينة، بينما الأسس والمبادئ هي الإطار الذي ينبغي أن تسير الأمور في حدوده، متجددة بتجدد كل عصر ودرجته من العلم، ودرجته من التفاعل من الكون المادي، وصورة المجتمع الذي يعيش فيه.
ففي سياسة الحكم؛ مثلاً: ورد أساسان شاملان هما العدل والشورى: } وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ { [58- النساء].
} وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ {[38- الشورى].
ولكنه لم يبيِّن أي طريقة تكون عليها الشورى؟ أهي مجمع من رؤساء القبائل والعشائر؟ أم مجلس برلماني منتخب أو معين، أو خلافة، لأن هذه صورة متغيرة بتغير صورة المجتمع وإمكانياته.
وجاء في سياسة المال: } كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ { [7- الحشر]. فقرر كراهية حصر المال في يد فئة قليلة يتداولونه بينهم وبقية الأمة محرومة منه. أما طريقة الاشتراك في هذا الخير فقد تركها لكل جيل يصوغا في الصورة التي تلائم ظروفه وعلمه وإمكانياته، بحيث لا يخرج على تلك القاعدة الكبرى.
لهذا وذاك طلب اليقظة من الإنسان لحكمة التشريع الإلهي، ووعيه وتدبره، ضماناً لسير الأمور في الأرض على نهج من العدالة والحق المستمدين من العقيدة في الله. ومن هنا يمتزج التشريع بالتوجيه، وتمتزج الأحكام بالتقوى التي تضئ الوجدان.
ويوجِّه الإسلام الطاقة العقلية كذلك لضمان سير الأمور في المجتمع على منهج صحيح. فكل فرد في الأمة المسلمة مطالب بالرقابة على المجتمع، ومسئول عن كل ما يقع فيه، وإلاَّ أصابه جزاء غفلته ولو لم يكن هو ذاته من الظالمين. } فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً { [25- الأنفال]،
وإنما تصيبكم جميعًا جزاء قعودكم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا التكافل في المجتمع والرقابة على سير الأمور فيه، يقتضيان وعياً كافياً، ويستلزمان عقولاً ناضجة، ولا بد من توجيه الطاقة العقلية للعمل في هذا الميدان، فهذا هو الضمان لحسن سير الأمور.
والقرآن يوجه المسلمين في ذلك توجيهات شتى:
فهو مرَّةً يبصرهم بأعدائهم الذين يتربصون بهم لِيَحْذَرُوهم، ويكونوا على الدوام متيقظين لهم، واعين لمؤامراتهم ودسائسهم. وتارة يوجههم لطريقة تلقي الأنباء والتصرف في الأمور حين تشيع الشائعات حول أمر من الأمور. وتارة يوجههم إلى حسن الحكم على الأشياء والأشخاص، وعدم التسرع في إصدار حكم على أمر لم تتبين كل خطوطه. وتارة يوجههم إلى طاعة أولي الأمر في حدود طاعة هؤلاء لله والرسول r . وهكذا مع ملاحظة أن كل توجيه تنظيمي يصحبه ويلزمه التوجيه إلى الله والدعوة إلى تقواه.
ويوجِّه القرآن الطاقة العقلية إلى النظر في سنة الله في الأرض وأحوال الأمم والشعوب على مدار التاريخ:
} أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ { [109- يوسف].
ثم يوجِّه الإسلام العقل البشري إلى استخلاص الطاقة المادية وتذليلها لخدمة الإنسان:
} وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ { [10- الأعراف].
فيوجهه إلى استخلاص الطاقة المادية، وقد وجَّه رُوحَه من قبل إلى الارتباط بالله وخشيته وتقواه؛ ومن ثم يعمل العقل البشري في استخلاص هذه الطاقة غير مفتون بها ولا شاعر بأنها خلاصة الحياة وجوهرها الأوحد؛ فينتفع بثمارها وهو مالك لأمره منها، غير مستعبد لها ولا منجرف في طريقها، وهذا فارق حاسم فيما بين الإسلام وغيره من النظم والعقائد والأفكار.
ولذلك فإن المسلمين لم يفتنهم التقدم المادي فينقطعوا عن الله ومنهجه وعبادته والسير على هداه، ولم يفتنهم فينقطعوا عن عالم الروح، ولم يفتنهم فيستغلوا علمهم في سبيل الشر، ولم يفتنهم فيُحَوِّلُهم إلى المادية الكريهة التى تسيطر اليوم على الغرب، ولم يفتنهم فينبذوا أخلاقهم جانباً بحُجَّةِ أنهم تقدُّميُّون.
بل سار العلم في ظلال العقيدة يكشف ويصل كل يوم إلى جديد، وهو ماض في طريق الخير، لأنه سائر في طريق الله، ولذلك يحرص الإسلام أشد الحرص على ربط القلب دائمًا بالله، وتوجيه العقل - وهو يعمل في استنباط الطاقة المادية في الأرض - إلى حكمة الله من الخلق، وآياته في رحاب الكون.
والعلاقة بن العقل والروح قائمة أبدًا لا تنفصم في منهج الإسلام. ومن ثم لا يضل العقل - وهو يتعلم - ولا ينحرف عن طريق الخير، ولا يستخدم معلوماته في سبيل الشر.
والعلاقة بين الروح والمادة قائمة: فلا يستعبد الإنسان المادة، ولا يقع فريسة للآلة تستعبده وتسيطر عليه، لأنه حافظٌ لكيانه المتكامل، مستمدٌ قوته من الله، من ثم يظل هو المسيطر وهو العنصر الإيجابي الفعال.

ثالثا: الإعداد الروحي
ويقصد بالإعداد الروحي أن يكون الطفل جياش العواطف، ينبسط للخير ويفرح به ويحرص عليه، وينقبض عن الشرِّ ويضيق به ويفرُّ منه. ويوجِّه الإسلام عناية خاصة لتربية الرُّوح لأنها في نظره مركز الكيان البشرى ونقطة ارتكازه، والمهيمن الأكبر على حياة الإنسان، لأنها صلة الإنسان بالله:
} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ { [29- الحجر].
فالرُّوح تلك الطاقة المجهولة التي لا نعرف كنهها ولا طريقة عملها، هي وسيلتنا للإتصال بالله ....
وهى الطاقة التي يتصل بها الإنسان بالمجهول، بالغيب المحجوب عن الحواس، فالاستشفاف عملية من عملية الرُّوح، والحلم التنبؤي عملية من عمليات الروح، والتخاطر عن بعد ( التلباثي) كحادثة عمر الشهيرة مع سارية، حين ناداه على بعد ألوف الأميال: يا سارية الجبل!! فسمعه سارية ونجا من الكمين وانتصر، هذا التخاطر عملية من عمليات الروح. وهي كلها عمليات جليلة عظيمة باهرة معجزة. يقف الإنسان حائرًا أمامها، مبهورًا من العجب والإعجاب.
ومهمة العقيدة هى مساندة الفطرة وتوجيهها وجهتها. مهمتها أن تساعد الفطرة في الاهتداء إلى الله، الاهتداء الذي هو كامن في كيانها ولو حجبتها عنه الأمراض. مهمتها أن تطلق الرُّوح من إسارها لكي ترى الله.
فيعتقد الطفل أن الله الذي خلقه معه ويراه، وهو مطلع على سرِّه وعلانيته، وأنه سوف يحاسبه في يوم لا شفيع فيه ولا نصير. وأن جوارحه سوف تشهد عليه، وأن الله قد فرض عليه فرائض فلا يضيعها كالصلاة والصيام والزكاة، وإكرام الوالدين ، والإحسان إلى الجيران، وصلة الرحم.... وغيرها، .... فطريقة الإسلام في تربية الروح هي :
أن يعقد صلة دائمة بينها وبين الله، في كل لحظة وكل عمل وكل فكرة وكل شعور، ويستخدم لذلك وسائل شتى:
- فهو من ناحية يثير حساسية القلب بيد الله المبدعة في صفحة الكون، لتحس دائما بوجود الله، وقدرته المطلقة التي ليست لها حدود.
- ومن ناحية يثير حساسية القلب برقابة الله الدائمة عليه. فهو مع الإنسان أينما كان، وهو مطَّلعٌ على فؤاده، عالم بكل أسراره، وبما هو أخفى من الأسرار.
- ومن ناحية يثير في القلب وجدان التقوى والخشية الدائمة لله، ومراقبته في كل عمل وكل فكرة وكل شعور.
- ومن ناحية يثير فيه الحب لله، والتطلع الدائم إلى رضاه.
- ومن ناحية يبعث فيه الطمأنينة إلى الله في السَّرَّاء والضَّرَّاء، وتقبُّل قدره بالتسليم والرضاء. والهدف في النهاية واحد: هو وصل القلب البشري بالله.
- وحين يحسُّ بمراقبة الله الدائمة له في كل تصرف، وكل فكرة، وكل شعور، وكل هاجسة في النفس مستورة، وكل خائنة في العين خافية: ... يهتز ويرتعش، ويخِرُّ خاشعًا ويراقب الله في الصغيرة والكبيرة وفي الجهر وفي الخفاء ويراقبه وهو يعمل، يراقبه وهو يفكِّر، يراقبه وهو يحسُّ، فلا يعمل شيئًا بغير إخلاص، ولا يعمل شيئًا بقصد الشرِّ ولا يعمل شيئًا دون تمعن وتفكر، ولا يعمل مستهترًا ولا مستهينًا بالعواقب، ولا يعمل شيئًا لغير الله.
وسائل الإعداد الروحي
ويمكن أن نلخص وسائل الإعداد الروحي فيما يلى:
1. العناية بالفضائل
وذلك بإبراز قيمة الفضائل وآثارها الفردية والإجتماعية وأبرزها: العدل، والصدق، وبر الوالدين، والشجاعة والصبر، والرحمة والعفو، والأمانة والعفة، والتواضع والحلم، والصمت وكفالة اليتيم، وبرُّ الجار والإجارة، والوفاء للصديق والوفاء بالعهد، وغيرها.
وإظهار مساوئ الرذائل كالكبر، والظلم والحسد، والكذب والنفاق، والنميمة والغيبة، والبخل والبغي، والغرور والسخط، وحب الدنيا واللعن، وصحبة الأشرار وشهادة الزور، والغدر وخلف الوعد، والجدال والمراء، والرياء والعجب، والغش والتجسس، والهمز واللمز والشماتة، والزنا واللواط، وعقوق الوالدين واتباع الهوى، وقطيعة الأرحام والربا، وغيرها.
وبيان آثارها أمام الطفل بقدر ما يتسع له فهمه، وذلك بمراقبته وتعويده على الحياء والاحتشام، وأن يحبب إليه الإيثار، ويحفظه عن الصبيان الذين عُودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة، وعن مخالطة كل من يُسمعه ما يُرغبه فيه، ويمنع من لغو الكلام وفحشه، من اللعن والسب، ومن مخالطة من يجري على لسانه شئ من ذلك، فإن ذلك يسرى لا محالة من قرناء السوء.
ولذلك فإنَّ من الضروري أن يحبب الآباء أبناءهم في اختيار الأصدقاء الأخيار، ومزاولة أصحاب الخلق الفاضل، لأن الأطفال يحاكي بعضهم بعضاً ويتشبه كلٌّ بالآخر.
والصورة المثلى للتربية الحسنة هي ما يرويه القرآن الكريم في حديث لقمان وهو يعظ ابنه إذ يقول: } وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ { [13- لقمان]، } يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ. وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ { [19:16لقمان]
ففي هذه الآيات نرى تدرج الدعوة وأخذها بالأهم فالمهم في خطوات أو مراحل متتابعة ومتكاملة لا انفصال بينها وهي:
أولا: جانب العقيدة: متمثلا في قوله: } يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ { [13- لقمان]، } يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ { [16- لقمان].
وبعد تثبيت العقيدة واستقرارها في الضمير بعد الإيمان بالله وحده لا شريك له، واليقين بالآخرة لا ريب فيه، والثقة بعدالة الجزاء لا يفلت منه مثقال حبة من خردل. بعد ذلك تأتي المرحلة الثانية.
ثانيًا ـ تطبيق العقيدة:متمثلاً في التوجه إلى الله بالصلاة وإلى الناس بالدعوة إلى الله والصبر على تكاليف الدعوة ومتابعتها التي لا بد أن تكون:
} يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ { [17- لقمان].
ثالثًا ـ الجانب الأخلاقي والتربوي:ثم ينتقل إلى أدب الداعية إلى الله، فالدعوة إلى الخير لا تجيز التعالي على الناس والتطاول عليهم باسم قيادتهم إلى الخير، ومن باب أولى يكون التعالي والتطاول بغير دعوة إلى الخير أقبح وأرذل:} وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ { [18، 19- لقمان].
ويوضح الإمام الغزالي كيفية العناية بهذا الجانب ] في كتابه (إحياء علوم الدين) جـ 3 ص73[ فيقول:
(مهما ظهر من الصبي خُلُقٌ جميل، وفِعْلٌ محمود، فينبغي أن يُكَرَّم عليه ويُجازى عليه بما يفرح به، ويُمدح بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرَّةً واحدة فينبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه، ولا يظهر له أن يتصور أن يتجاسر أحد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه، فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة. فعند ذلك إن عاد ثانية فينبغي أن يعاتب سرًّا ويعظم الأمر فيه. ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين، فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح، ويُسقط وَقْعَ الكلام من قلبه،
وليكن الأب حافظًا هيبة الكلام معه، فلا يوبخه إلا أحياناً، والأم تخوِّفُهُ بالأب وتزجره عن القبائح).
2. القدوة الطيبة
أن يكون الآباء أنفسهم مثلاً صالحاً لأبنائهم، فإن الأطفال من عاداتهم أن يتشبهوا بآبائهم ويحاكونهم في أقوالهم وأفعالهم، والقدوة الصالحة ما هي إلا عَرْضٌ مُجَسَّمٌ للفضائل. وإن الطفل الذي يرى والديه يهتمان بأداء الشعائر والبعد عما يخل بتعاليم الدين - مثل الكذب والغدر، والنميمة والأثرة، والبخل وغير ذلك من الصفات الذميمة - لا بد وأن يتأثر تأثرًا بالغًا بما يراه ويشاهده من والديه، وفي ذلك يقول الغزالي ]في إحيائه[:
( فأول الأمور التي ينبغي أن تراعى فإن الصبي بجوهره خلق قابل للخير والشر جميعًا، وإنما أبواه يميلان به إلى أحد الجانبين قال رسول الله صل الله عليه وسلم :
{ كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفِطرةِ ، فأبَواهُ يُهوِّدانهِ أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه }[48])
ولكي تكتمل القدوة الطيبة لدى الطفل فإننا نحتاج إلى أن يكون الشارع والمدرسة والمجتمع على الصورة التي تُرغِّب في تنشئة ذلك الطفل عليها، فإن تربية طفل واحد على الإسلام، كتربية ألف طفل، كتربية جميع الأطفال، تحتاج إلى البيت المسلم والشارع المسلم
والمدرسة المسلمة، والمجتمع المسلم.
فما دمت لا تستطيع - ولا ينبغي لك - أن تحبس طفلك عن النزول إلى الشارع للعب أو السير والانتقال فيه؛ ولا عن الذهاب إلى المدرسة ليتعلم؛ ولا عن الاختلاط بالمجتع ومفاهيمه وعاداته وتقاليده وأنماط سلوكه، ولا عن التأثيرات الناشئة من ذلك كله؛ فلن تستطيع إذن أن تنشئ هذا الطفل كما تريد أنت، مهما كنت في بيتك على أعلى درجات المثالية في سلوكك الشخصي أو في منهجك التربوي. فإن كنا نريد إذن أن نربي أطفالنا تربية إسلامية - وذلك هو المقتضى الطبيعي لكوننا مسلمين - فلا بد أن يكون لدينا البيت المسلم والشارع المسلم
والمدرسة المسلمة والمجتمع المسلم.
ومن بديهيات المجتمع المسلم أن يكون البيت والشارع والمدرسة والمجتمع كلها سائرة في طريق واحد هو طريق الإسلام والتربية الإسلامية؛ وألاَّ يوجد الصراع بينها، مادامت كلها تنهج نهجًا واحدًا، وتستمد من معين واحد؛ وأن تتآزر جميعًا على تكوين الشخصية الإيمانية المسلمة، وتوحيد أنماط سلوك المجتمع وعاداته، وجعلها طابعًا مميزًا للمجتمع الإسلامي كله، ينعكس في السلوك الفردي لكل مسلم، كالآداب العامة، وطريقة التعامل في البيع والشراء، وآداب الزيارة، وآداب الحديث، وآداب الزوج، وآداب الأسرة، وغيرها، وإن كان هذا التوحيد العام لأنماط السلوك وعاداته لا يلغي الفوارق الذاتية بين البشر المسلمين، ولا يجعلهم نسخًا مكررة، وإنما يسمح بوجود درجات من الاختلاف؛ لأن لكل مسلم طابعه الخاص.
ومع عناية الإسلام بأن يكون البيت والشارع والمدرسة والمجتمع كلها سائرة في طريق واحد ومؤدية إلى غاية واحدة، فقد كان تركيز الإسلام الأكبر على الأسرة والبيت لأن البيت هو المحضن الذي ينشأ فيه الطفل حتى يكبر، ويلتقط منه الانطباع الأول الذي قد يؤثر فيه مدى الحياة.
وتتضح لنا عناية الإسلام بالبيت والأسرة من مراجعة تشريعات الإسلام وتنظيماته وتوجيهاته جميعًا. فأما التشريعات والتنظيمات فقد كفلت قيام الأسرة على رباط شرعي معلن قائمٌ بسم الله، وفي ذلك حفظ الأنساب، واطمئنان الأب إلى أبنائه، واطمئنان الأبناء إلى أبويهم، وذلك عنصر مهم من عناصر الاستقرار في نفس الطفل.
كما كفلت التشريعات والتنظيمات قيام الزوج بكفالة الزوجة وإراحة أعصابها من جهد الكدح من أجل لقمة الخبز،
وذلك لكي تتفرغ لمهمتها العظمى في تنشئة الأجيال.
ولئن كان الداء الذي أصاب العالم المادي هو تشغيل المرأة، وشَغَلَهَا بقضية المساواة مع الرجل، وَحَمَلَهَا على أن تستنكف التفرغ للأمومة وبناء الأجيال القادمة من البشرية، وتعدُّه حطًا من قيمتها وتضييعاً لمواهبها، وتصعيب الحياة الإقتصادية وتعقيدها ـ بخبث ـ بحيث لا يكفي فيها إيراد الرجل وحده لإقامة بيت وأسرة، لكي تُكره المرأة على العمل، أو لكي تجد المبرر الظاهري لهجر البيت والخروج للعمل، فإن المرأة العاملة المتزوجة ذات الأولاد لهي التي تصرخ مستجيرة من ذلك الجهد المهلك المضني، خاصة بعد أن تكثر مطالب الأسرة وتتعدد. ولقد كان الإسلام أرأف بها وأرحم، وأعلم باحتياجاتها واحتياجات الطفولة واحتياجات البشرية كلها وهو يضع هذه التشريعات وهذه التنظيمات.
وأما توجيهات الإسلام فهي تدعو إلى توفير أكبر قدر من الاستقرار لهذا البيت الذي ينشأ فيه الطفل، لتكون تنشئة الأطفال في أفضل وضع لهم، وفي أنسب الظروف ملائمة لنموهم السوي على الفطرة السليمة.
فهو أولاً يستثير وجدان المودة والرحمة بين الزوجين، ليكون هذا هو الرباط الأقوى الذي يربط قلب الأب وقلب الأم، فيربط معهما كيان البيت كله:
} وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { [21- الروم].
ثم هو يوصي كلاًّ منهما بإحسان المعاملة من جانبه، والحرص على هذا الرباط من أن تنفصم عراه: } وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ { [19- النساء]
ويدعو إلى علاج كل بادرة من بوادر الخلاف قبل أن تصل إلى القطيعة: }وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا. وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا{ [34، 35- النساء].
والملحوظ في هذه التوجيهات كلها، كما هو الملحوظ في التشريعات والتنظيمات أن تكون الأمور في الوضع الأمثل بالنسبة للرجل والمرأة كليهما، ولكن من الواضح كذلك أنها تهدف إلى ما وراء الرجل والمرأة في ذاتهما. فهي تهدف - بتوفير الاستقرار النفسي والعصبي والاجتماعي والاقتصادي للرجل والمرأة - إلى تهيئة الجو الصالح للأمومة والأبوة، لتنشئة الأجيال المقبلة في أنسب وضع لهذه التنشئة وأفضل وضع.
فلا شئ ييسر التربية السليمة ويجعلها أقرب إلى إيتاء الثمرة المرجوَّة من الجو المستقر حول الطفل، والحب المرفرف حوله من خلال الأبوين، ولا شئ يفسد التربية ويجعلها أبعد عن إيتاء ثمرتها من -جو القلق العصبي والنفسي والفكري والروحي، والجو المشحون بالبغضاء والشقاق والتوتر.
ومن هنا كان حرص الإسلام الشديد على تربية الناس على نهج الإسلام، لكي يكون الآباء هم القدوة المباشرة لأبنائهم في الفترة التي ينحصر عالم الطفل فيهم، فتتكون في نفوس الأطفال ـ بالالتقاط والمحاكاة ـ تلك القيم الإسلامية بغير جهد يذكر، وينشأ في نفوسهم منذ الصغر فتكون عميقة الجذور، ثم يزيدها التعليم رسوخًا، ويزيدها المجتمع الإسلامي قوة.
فحين توجد القدوة الحسنة متمثلة في الأب المسلم والأم ذات الدين فإن كثيرًا من الجهد الذي يبذل في تنشئة الطفل على الإسلام يكون جهدًا ميسرًا وقريب الثمرة في ذات الوقت، لأن الطفل سيتشرب القيم الإسلامية من الجو المحيط به تشرُّبًا تلقائيًا، وستكون تصرفات الأم والأب أمامه في مختلف المواقف - مع بعضهما البعض ومع الآخرين - نماذج يحتذيها ويتصرف على منوالها.
ولذا فعلى الأب والأم أن يترفعا أمام أولادهما عن دنايا الأمور، وسفاسف العادات، وقبائح الأخلاق، وأن ينزِّها ألسنتهما من السباب والشتائم والكلمات النابية والقبيحة، وعن كل ما يُنْبِي عن فساد الأخلاق، لأن مسئوليتهما في هذا المجال مسئولية شاملة. ومن الأمور المسلم بها لدى علماء التربية أن الطفل يولد على الفطرة النقيَّة والطهارة والبراءة، فإذا تهيأت له التربية المنزلية الواعية، والبيئة التعليمية المؤمنة،
نشأ الولد على أخلاق فاضلة، وتربَّى تربيَّة صالحة.
والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإذا عُوِّدَ الخير وعُلِّمَه، نشأ عليه وسعد به في الدنيا والآخرة، وإن نشأ في بيت مهمل، وخالط جماعة فاسدة، فإنه سيرضع لبان الفساد ويتربى على أسوأ الأخلاق، وسرعان ما يتحول من السعادة إلى الشقاء.
التدريب على العبادات
وفي هذه المرحلة يجب أن يُلقّن الطفل مبادئ الدين، ونُمَرِّنُهُ على العبادات، ونعوِّده على ممارسة فعل الخير، لأن ذلك يجعل منه نواة صالحة لمجتمع سليم راق.
وفي ذلك يقول الإمام الغزالي ]في إحيائه جـ 3 ص73[: (ومهما بلغ سن التمييز، فينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة، ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان، ويُجَنَّبُ لبس الديباج والحرير والذهب، ويُعَلَّم كل ما يحتاج إليه في حدود الشرع).
وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم ، موضِّحاً الواجب على الأب في هذه الفترة فيما رواه الكثيرون من أصحاب الكتب:
{ مُرُوا الصبيانَ بالصلاةِ لِسَبْعِ سنينَ، واضْرِبُوْهُمْ عَلَيْهَا في عَشْرٍ، وفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ }[49]ن وورد:
{ الغُلاَمُ يُعَقُّ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُمَاطُ عَنْهُ الأَذَى؛ فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ أُدِّبَ، فَإِذَا بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ عُزِلَ فِرَاشُهُ، فَإِذَا بَلَغَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً ضُرِبَ عَلَى الصَّلاةِ، فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً زَوَّجَهُ أَبُوهُ؛ ثُمَّ أَخَذَ بِـيَدِهِ وَقَالَ: قَدْ أَدَّبْتُكَ وَعَلَّمْتُكَ وَأَنْكَحْتُكَ، أَعُوذُ بِالله مِنْ فِتْنَتِكَ فِي الدُّنْيا وَعَذَابِكَ فِي الآخِرَةِ}.[50]
فقد جاء التوجيه من الرسول صل الله عليه وسلم أن نروض أولادنا على القيام بالعبادات لتتأصل في نفوسهم ويتعودوا عليها منذ نشأتهم الأولى، حتى يتربى الطفل على طاعة الله عزوجل والقيام بحقِّه، والثقة به والاعتماد عليه، ويجد فيها أيضًا طُهْرًا لروحه، وصفاءاً لنفسه، وصحةً لبدنه، وتهذيباً لأخلاقه. فقد قال:
{ أَكْرِمُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ، وورد: آدابهم } [51]
{ مَا نَحَلَ والدٌ ولداً خيراً لَهُ من أدبٍ حَسَنٍ }[52]
إن الطفل عندما ينشأ منذ نعومة أظفاره على الإيمان بالله والاعتماد عليه والمراقبة له فإنه يصبح وعنده الملكة الفطرية، والاستجابة الوجدانية، لتقبل كل فضيلة ومَكْرُمَة، ويتأتى ذلك بإبراز مشاعر الطهر والنقاء في نفسه، وإشعاره بمراقبة الله عليه.
ولذلك فيبدأ الأبوان في هذه المرحلة:
بتعليم الطفل الطهارة والوضوء والصلاة، ويصحبه الأب معه إلى المسجد للصلاة معه - على أن يبين له آداب عمارة المسجد والجلوس فيه، ويوضح له كيفية الصلاة في جماعة - ويجتهد في إقناعه بأهمية الصلاة وفضائلها، ويكشف له عن بعض أسرارها، حتى تكون عبادته عن حُبٍّ وشوق لا عن خوفٍ ورهبة، فذلك يجعله يصلي سواء كُنْتُ حاضرًا أو غائبًا لأنه يصلي لله عزوجل ، وليس خوفًا مني أو رغبة في إرضائي بل رغبة في إرضاء الله عزوجل .
وكذلك الصيام فيبدأ الوالدان بتدريب الطفل على صيام بعض اليوم، ثم نصفه، ثم صيام بعض أيام من الشهر الكريم. وتحكي السيدة عائشة رضى الله عنها عن ذلك فتقول:
(كنا نصُوم ونحن صغار، وكانوا يصنعون لنا اللعبة من العهن (الصوف)
يلهوننا بها عن الجوع).
4. الآداب الإسلامية
وفي تلك المرحلة الهامة يجب تعويدهم على الآداب الإسلامية الهامة وخاصة في النوم فنجعل الأولاد في غرفة والبنات في غرفة، ونجعل لكل ولد أو بنت سريراً خاصاً به، فإذا اضطررنا لأن ينام ولدان على سرير واحد، أو بنتان في فراش واحد، فيجب أن نجعل لكل ولد أو بنت غطاءًا خاصًا به ولا نشركهما في غطاء واحد، لأن احتكاك الأعضاء ببعضهما قد يحرك الشهوة، أو يثير الغرائز، وهذا من الحيطة البالغة التي يحرص الإسلام عليها.
وكذلك يجب تعليمهم أدب الاستئذان كما وضَّحه القرآن، لأنه من قواعد الأدب العالي والخلق الرفيع. فالرجل عندما يدخل إلى غرفة نومه ومعه زوجته عليه أن يعلم أولاده أن لا يدخلوا عليه إلا إذا استأذوا حتى لا تقع أنظارهم عليه في صورة لا يحب منهم أن يطَّلِعُوا عليها، وذلك ما وجَّه إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { [58-النور].
ونركز في هذه الفترة على تعليمهم أدب الطعام، وأدب الكلام، وأدب المشي، وأدب الجلوس، وأدب الزيارة، وأدب السلام، وغيرها من الآداب الإسلامية التي تجعل الطفل ينشأ على القيم الإسلامية ويَعْتَزُّ بها، ويفتخر بالتمسك بها.
وعلينا أن نحذر هذا التقليد الذي سرى في بلادنا كالنار في الهشيم، وهو الدفع بأولادنا إلى مدارس أجنبية ومعاهد تبشيرية، مع ترك قيادة الأولاد في تعليمهم لمربين ملحدين، يغرسون في أنفسهم بذور الحقد والإلحاد، ويزودونهم بكتب الخلاعة والمجون وما كتبه المستشرقون ضد ديننا الحنيف، ويصبون في آذانهم كلمات الاستهجان بالدين والاستخفاف به. فعلينا أن نتنبه لهذا ونستشعر المسئولية، فالمسئولية ضخمة والخطر جسيم، ويتطلب اليقظة التامة والحيطة الكاملة فى اختيار المدرسة ومتابعة الأولاد، ولنضرب مثلاً للذين تربَّوْا على الإيمان بالحسن والحسين سيدىِّ شباب أهل الجنة رضى الله عنهما :
- فقد غَرَسَتْ فيهما التربية الإسلامية الحكمة في معالجة الأمور التي تعن لهما، ولذلك ورد أنهما رأيا رجلاً لا يحسن الوضوء، فلم ينبهاه بطريقة مباشرة حتى لا يجرحا مشاعره، بل اصطنعا شجارًا وخلافًا بينهما على أيهما أحسن وضوءًًا، ثم اقتربا منه وطلبا منه أن يتوضئا أمامه ويحكم بينهما، فلما رآهما الرجل تنبَّه إلى خطئه، وشكر لهما حسن صنيعهما.
- وأيضًا هذه الحكمة هي التي دفعت الحسين - وهو الأصغر - عندما حدث خلافٌ بينه وبين الحسن أن يرسل إليه رسالة يقول فيها: قال صل الله عليه وسلم لا ينبغي لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) ، فإذا وصلك خطابي هذا فأت إليَّ لأني لا أرضى أن تكون الخيرية لي وأنت أخي الأكبر. فجاء إليه وتصافيا!! لأنهما تربيا على منهج الإسلام القويم.
رعاية شباب الإسلام
عني الإسلام عناية كبيرة جدًا بالشباب لأنهم عماد الأمة،ومطمح آمالها، وعليهم جُلُّ اعتمادها في أي نهضة تقوم بها. وقد كان لجيل الشباب المسلم في بدء الدعوة الإسلامية - أمثال عليّ ابن أبي طالب، وعمَّار بن ياسر،ومصعب بن عمير، وزيد بن حارثة، وأسامة بن زيد، وغيرهم - الفضل الأول في نشر الدعوةالإسلامية، وتثبيت أركانها.
وتعتبر فترة الشباب أهم فترة في حياة الإنسان لأنها تبدأمن لحظة البلوغ، أو من سن الرابعة عشر تقريبًا، وفي هذه الفترة تكون قد اكتملت للإنسان ذكرًا كان أو أنثى أعضاؤه الجسمانية، وتنشط جميع غرائزه محاولة إبرازملامح شخصيتة، ويقترب العقل من النضوج فيسعى للإلمام بكل ما حوله.
ومن هنا فإن الشاب يخضع لدوافع داخلية كثيرة وخطيرة، غيرالمؤثرات الخارجية تؤثر في سلكوكه وعاداته، وتحاول أن تلقي بظلِّها على شخصيته وتصرفاته. والإسلام بطبيعته الشمولية لم يهمل هذه المؤثرات، ولم يطالب بتنحيتها جانبًا، لكنه وضع أمثل الطرق لاستخدامها والاستفادة بها في حياة المرء، حتى يكونالمرء متوازنًا بين مطالب الجسد ومطالب الروح، عاملاً لسعادة نفسه وبني جنسه في الدنيا، ونجاة نفسه في الآخرة، وذلك ما نجده واضحًا في بناء الإسلام للشباب في هذهالفترة.
فهو يهتم بكل ما له علاقة بالجنس، بدءًا من المراهقة،فالبلوغ وعلاماته، إلى الخطبة فالزواج وما يتعلق بذلك من أحكام شرعيَّة وآدابخُلُقِيَّة.
ويحرص على توضيح صفات النفاق والمنافقين - مع شدةالتحذير منها - ليتجنبها الشباب في سلوكهم، فيخلو المجتمع من مرض النفاق، فيصلحويسعد.
وهو حريص على تكوين جهاز الرقابة الإيمانية في نفوسالشباب ضمانًا لاستقامتهم، ورغبة في سعادتهم.

ثم هو يضع اللمسات الإيمانية في كافة فروع العلومالطبيعية والإنسانية ليمتزج الدين بالعلم، فيكون العلم مُحَصَّناً بالفضيلة،محفوظاً من الاتجاه به نحو الفساد أو الرذيلة.
وسنحاول إبراز بعض هذه الجوانب ليتضح لنا عظمة الإسلام في تربية شبابه، وسُمُوِّه في توجيه عواطفهم ورغباتهم؛ والأخذ بأيدهم إلى منازل الكمال، والحرص على بلوغهم شأو الرجال.
أولا: التثقيف والتربية الجنسية
اهتم الإسلام بالجنس اهتمامًا منقطع النظير، ويظهر ذلكفي إشباع الفقهاء القول في كل ما له علاقة بالأعضاء التناسلية. فقد تكلموا بإسهاب عن ختان الذكورة وأنه من الفطرة، وخفاض النساء وأنه مكرمة، وتكلموا عن الخطبةوالزواج، وأعطوا لهما حقهما من البحث والتنقيب، وإصدار الفتاوى الشرعية، وذكرواالعيوب التي تُرَدُّ بها الزوجة، ومنها عيوب الفرج التي لا يمكن معها المعاشرة،ولم يهملوا الكلام عن قضايا العذارة والبكارة والثيبوبة، وقد فرَّقوا بين العذراءوالبكر، وأعطوا لكل منهما حُكمًا مستقلاً، لا سيما عندما يصل الأمر إلى القضاء.
وتكلموا عن الحمل والولادة والرضاع، وحكم جماع المرضعة،وزواج المتعة والزنى والشذوذ الجنسي واللواط والسحاق وغير ذلك.
ويمارس الأزهر بين طلبته من البنين والبنات - كلّ في معهده - بداية من سن الأولى الإعدادية تدريس هذه الثقافة في الإطار الإسلامي الذييهدف إلى إيصال الحقيقة - العلمية أو النظرية - بواقعها إلى ذهن الطالب في وضوح؛محاطة بسلوك خُلُقِيٍّ رفيع، يجعل الطالب يمارسها عن قناعة.
وهذه لمحة سريعة لبعض ما يدرسه الطالب الأزهري والطالبة في معهديهما، فيثقفان ثقافة جنسية في إطار الأحكام الشرعية، تنير لهما سبل المعرفةمع دين صحيح سليم، نقلناها من مقال الدكتور علي أحمد الخطيب رئيس تحرير مجلةالأزهر بعنوان (الأزهر والثقافة الجنسية) عدد ربيع الأول 1416 هـأغسطس 1995 م حيث يقول: ( ونقدم هنا جانبًا مختصرًا للغاية عن بعض هذهالدراسة).
أولاً: لكي يتعرف الطالب والطالبة بدقة على الوضوء ،ينبغي أن يعلما أولاً نواقض الوضوء عند الرجل والمرأة على سواء، وبالتالي يتعرفانعلى كل ما يخرج من السبيلين لديهما مما ينقض الوضوء، فيعرفان ألوان الماء الخارجمن الرجل، ومكان خروجه صراحة، ويتعرفان على خصيصة هذا الماء من: بول، ومَذيٍّ،وودْيٍّ، ومَنِيٍّ، ووقت خروج كل من هذه الثلاثة الأخيرة، وسبب خروجه، ثم كيفيةالطهارة منه، ومتى يكون خروج أي من الأربعة ناقضًا للوضوء، أو موجبًا للغسل، ومتىلا يوجب وضوءًا ولا غسلاً؟.
وتقتضي دراسة خروج المني معرفة أسبابه، وما كان منهاحلالاً، أو حرامًا، أو مكروهًا، وأحوال كلٍّ، وما يقتضيه خروج المَنِيِّ شرعًا منوجوب الغسل! ويتعرفان - كلٌّ من الطالب والطالبة - على ألوان الخارج من قُبلالمرأة صراحةً ماء أو دماء، وأسبابها، ومتى تَمْنَعُ هذه الدماء مباشرة الرجل لزوجته؟ ومتى لا تمنع مع وجودها؟ ويعتبر الطالب الأزهري - ومثله الطالبة - على علمدقيق بالتفريق بين دم الحيض والنفاس، ودم الاستحاضة، ودرجات هذه الدماء كثافةورقة، وماء المرأة الذي يعقب الحيض تمامًا، وهذا الأخير لا تعلمه أكثر النساء!! ثمهما - الطالب والطالبة - أيضًا على عِلْمٍ - في هذا المقام - بحال من ابتدأتْالحيض، ومن اعتادته، وما ينبغي لكل منهما ـ حيال هذا الخارج منها.
ثانياً: وإذا درسا الغسل كان عليهما أن يدرسا موجباته الخمس، وفي مقدمتها المباشرة الزوجية، وكيف تتم، فيدرس كل منهما أمرها، وواجب المرأة حيالها، وواجب الرجل أيضًا، وآداب هذه المواصلة حتى لا يقع الرجل على زوجتهكما تقع البهيمة على أنثاها .... الخ ). انتهى.
وإذا انتقلنا إلى الحديث النبوي الشريف فإننا نجدالصحابة الكرام رضوان الله عليهم، والصحابيات الماجدات رضوان الله عليهن لميترددوا أن يسألوا عن دينهم - سواء تعلَّق الأمر بالجنس أو بغيره - يستعملون الوساطة في السؤال أحيانًا لظروف خاصة، ويسألون طورًا آخر الرسول صل الله عليه وسلم مباشرة ومواجهة استفادة وإفادة. نماذج من الأسئلة التى طرحت على الرسول
وهذه نماذج من الأسئلة التي طرحت على رسول الله r ، ليعطي فيها الحكم والأدب اللائق بها، وقد استمع إليها وأجاب عنها بوضوحتام بدون لوم ولا تثريب.
الحيض: روى الإمام البخاري عن عائشة رضى الله عنها أن امرأة سألت النبي صل الله عليه وسلم عن غُسلها من المحيض فقال لها: (خذي فرصة من مسك فتطهري بها، قالت: كيف أتطهَّر؟ قال تطهَّري بها. قالت: كيف؟ قال سبحان الله!! تطهَّري، فاجتذبتها إليَّ فقلت: تبتغي بها أثر الدم).
الغسل: روى الإمام مالك (أن الصحابي الجليل أبا موسىالأشعري رضى الله عنه أتى السيدة عائشة رضى الله عنها زوج النبي صل الله عليه وسلم ، فقال لها: لقد شق عليَّ اختلاف أصحاب النبي صل الله عليه وسلم، في أمر إني لأعظم أن أستقبلك به!! فقالت: ما هو؟ ماكنت سائلاً عنه أُمَّك فسلني عنه. فقال: الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل، فقالت:إذا جاوز الختان فقد وجب الغسل، فقال أبو موسى الأشعري: لا أسأل عن هذا أحدًا بعدك أبدًا).
الاحتلام: عن عروة بن الزبير رضى الله عنه أن أم سليم قالت لرسول الله صل الله عليه وسلم : { المرأة ترى في المنام ما يراه الرجل، أتغتسل؟ فقال لهارسول الله صل الله عليه وسلم : ( نعم فلتغتسل. فقالت لها عائشة: أفٍّ لكِ، وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها رسول الله صل الله عليه وسلم : تربتْ يمينُكِ، ومن أين يكون الشبه؟).
وفي رواية السيدة أم سلمة رضى الله عنه زوج النبي صل الله عليه وسلم أنها قالت: (جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إن الله لا يستحي من الحقّ، هل على المرأة من غُسْلٍ إذا هي احتلمت؟ فقال: نعم إذا رأتْ الماء).
الزواج وقضية العسيلة: روى الإمام البخاري عن السيدة عائشة: (أن رفاعةالقرظي تزوَّج امرأة ثم طلَّقها، فتزوجتْ من آخر، فأتتْ النبيَّ صل الله عليه وسلم فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مِثُلُ هدبه، فقال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك).
مباشرة الحائض: عن أبي ميسرة عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: (كان النبي صل الله عليه وسلم يباشرني وأنا حائض، ويدخل معي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://chelghoum-laid.alafdal.net
مدير المنتدى
المدير العام
المدير العام
مدير المنتدى


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 258
نقاط : 4618
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 14/07/2013
مكان السكن : شلغوم العيد
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : طالب جامعي

تربية القرآن لجيل الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: رد: تربية القرآن لجيل الإيمان   تربية القرآن لجيل الإيمان Icon_minitime1الجمعة أغسطس 16, 2013 11:22 pm

ثانيًا[2]: التربية الإيمانية.
ويقصد بالتربية الإيمانية هنا تربية الشباب على أخلاق أهل الإيمان، وتدريبهم على السلوكيات الإسلامية؛ حتى يصيرون يمثلون الإسلام في كل حركاتهم وسكناتهم، ويكونون هم المعنيون بقول الله عزوجل : } إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى { [13- الكهف].
مسئولية الآباء في متابعة الأبناء
وهذه المسئولية كلفهم بها الله عزوجل ورسوله صل الله عليه وسلم .
فيجب على كل مؤمن أن يكون له عين يقظة على تصرفات أولاده وبناته، ترعاهم عند الصلاة، وترعاهم عند مشاهدة التلفاز، وترعاهم عند اختيارهم للأصدقاء حتى لا يصطحبون قرناء السوء، وترعاهم عند ممارسة هواياتهم، وتراقبهم في عاداتهم، ويوجهونهم إلى الكمالات الإنسانية، والأخلاق الإيمانية باللطف والرقة واللين
فيا أخي المؤمن اجعل نصب عينيك قوله تعالى: } وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى { [132- طه].
وإياك أن تأخذك الشفقة بولدك أيام الامتحانات، وتقول: الولد مشغول وليس من المهم أن يحافظ على الصلاة الآن؛ لأنه مشغول بالاستذكار - وهذا ما يلجأ إليه بعض ضعاف النفوس، مع أن الله عزوجل لا يبارك في عمل يلهي عن الصلاة - أو تقول له: اذهب إلى الدرس، واجمع الظهر مع العصر، ولا بأس عليك في ذلك. بل عليك أن تجعل أكبر همِّه، وأعظم حرصِهِ على العمل بأحكام دينه، والاقتداء بسنن نبيِّه، وتنفيذ أوامر ربه، حتى تكون مطمئن البال إلى أنك أنجبت رجالاً يمتثلون لأمر الله، وينفذون تعاليم الله.
واحكي لهم الأمثلة الطيبة من قصص سلفنا الصالح، بل ومن عبر هذه الحياة بما يجعلهم يتمسكون بالفضيلة، ولا ينخدعون بما تنشره لهم بعض وسائل الإعلام، والتي تصور لهم براعة الغش ومهارة الخداع، وتزيِّن لهم أقصر طريق للوصول إلى مآربهم الدنيوية وآمالهم الفانية هو الخداع والمؤامرات وأساليب النفاق. فإذا فعلت ذلك فنم بعد ذلك في قبرك قرير العين، وتأكد أنهم في حصن الله وفي كنفه عزوجل .
فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أنه خلف ثلاثة عشر ولدًا، ولم يترك لكل واحد منهم إلا دينارًا واحدًا عند وفاته - مع أنه كان خليفة المسلمين - فعاتبه بعض أقاربه وقالوا يا أمير المؤمنين، تركت أولادك ضياعًا!! فقال رضى الله عنه أولادي أحد رجلين: أما الصالح منهم، فيتولاه الله: } وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ { [196-الأعراف]، وأما الطالح منهم، فما كنت أترك له ما أعينه به على فسقه وفجوره؛ فأشاركه في الوزر، فلم يمر عليهم عام واحد بعد وفاته إلا وقد حصّل كل رجل منهم مائة ألف دينار من التجارة الحلال بركة من الله عزوجل بسبب هذا الأب الصالح.
وقد حكى القرآن الكريم أن الله عزوجل أرسل نبيًّا كريماً ووليًّا عظيماً إكرامًا للجد السابع في قوله سبحانه: } وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا {[82- الكهف].
فقد روي أن المقصود بالأب الصالح في هذه الآية كان الجد السابع لهؤلاء الأبناء، فأرسل الله إليهم نبيًا كريمًا، ووليًا صالحًا ليقيما الجدار الذي تصدَّع ببيتهم، حتى يبلغا الرشد ليستخرجا كنزهما عناية من الله بسبب صلاح جدَّهم السابع!! فما بالك إذا كان الأب الصلب صالحاً؟ وماذا يكون حال أولاده وأهله وذويه؟!!
وهناك المثال المغاير، أولاد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، فقد ترك ثمانية عشر ولدًا، وترك لكل واحد منهم مائة ألف دينار، فلم يمر عليهم عام واحد إلا وصاروا يتكففون الناس بعد أن ذهبت أموالهم في اللهو والشهوات؛ وذلك لأنه لم يربيهم على التُّقى والإيمان.
فأول تكليف كلَّفك به الله عزوجل نحو أولادك أن تحفظ عليهم الإيمان، وأن تربيهم على قيم الإسلام وعلى تعاليم النبي العدنان، وأن توالي هذه القيم بنفسك؛ لأن مجتمعنا لن تنصلح أحواله إلا إذا ظهرت القيم الإسلامية.
فإن المجتمع لن ينصلح حاله ولو كان كله مهندسين وأطباء، إلا إذا كانوا متخلقين بأخلاق السماء، لكن ماذا ينفع الكم الكبير من المهندسين والأطباء وغيرهم، إذا لم يكن عندهم مراقبة لله، ولا يتورعون عن الغش لعباد الله، ولا يرحمون البائس والفقير والمسكين ويتنازلون له عن الأجر ابتغاء وجه الله! فقد وصف الله عزوجل مجتمع المؤمنين بوصف جميل فيقول: } مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ {[29- الفتح].
وليس معنى هذا أننا ننكر ما يفعله الآباء نحو أولادهم من تسابق إلى حجز الدروس الخصوصية لضمان تفوقهم في الدراسة، ومتابعتهم الجادة في تحصيل علوم الحياة الحديثة، فإن هذا ما دعا إليه الإسلام. بل إن الإسلام يجعل كل شئ يوفره الأب لابنه من طعام أو شراب، أو ملبس أو درس، يُثاب الأب عليه إذا صدقت نيته، لقوله صل الله عليه وسلم :
{ نفقة الرجل على أهله كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بمائة ألف درهم {، وقوله : { دينار أنفقته في
سبيل الله، ودينار تصدقت به على الفقراء والمساكن، ودينار أعتقت به رقبة،
ودينار أنفقته على أهلك، خيرهما وأعظمهما أجرًا عند الله الذي أنفقته على أهلك }[3].
فكل مال ينفقه على أهله وولده فله ثوابه عند الله عزوجل ، وألا يطالب ولده بعد تخرجه بعوض ما أنفقه عليه، أو يعيره بما أنفقه عليه ويقول له: لقد أنفقت عليك كذا وكذا،
ولكن كل هذا لم ينفع، ولم يؤثر فيك.
لكن الذي أريد أن أنبه نفسي وإخواني المسلمين إليه، هو أن معظمنا يظن أن كل ما عليه نحو أولاده هو تربية أجسامهم، وقد يزيد البعض على ذلك تعليمهم العلوم العصرية في المدارس والجامعات، ويفسرون بذلك قوله صل الله عليه وسلم : { كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته }، ونسينا المهمة العظمى وهي التربية الإيمانية والتي إليها الإشارة بقول الله:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ { [6التحريم]، و(قوا) يعني: احموا واحفظوا أنفسكم وأزواجكم وأولادكم وبناتكم من غضب الله وعذاب الله بتربيتهم التربية الإيمانية الحقة.
وهنا يا إخوانى الكرام أجمل لكم تلك الأسس فيما يلى:
أسس التربية الإيمانيـــة

أولا: القيم الإسلامية
فالصدق والأمانة والمروءة والوفاء والسماحة والعدالة والمساواة وغيرها قيم ذبحتها المادية الخبيثة لتنشر مبادئها الهدامة كالشيوعية والوجودية، مع أن الحياة بغير هذه القيم تتحول إلى جحيم لا يطاق، والإسلام لا بهذه المبادئ كشعارات جوفاء، وإنما يدعو إلى تطبيقها على مسرح الحياة، حتى نراها على أولادنا، ونلمسها في بيوتنا، ونحس بها في أعمالنا.
وإليك هذا المثال الرائع لحرص الإسلام على هذه القيم: فهذا رجل مسلم دخل في الإسلام حديثًا، وقد كان ذلك أثناء سفره بتجارة كبيرة لقريش إلى بلاد الشام - وهو العاص بين الربيع زوج السيدة زينب بنت رسول الله صل الله عليه وسلم - وعندما كان في طريق العودة على مقربة من المدينة، أشار عليه بعض المنافقين قائلا: ما دمت قد أسلمت فخذ هذا المال غنيمة لك، ولا ترجع إلى مكة، فقد استولوا على أموال إخوانك المسلمين - وهؤلاء يقول الله تعالى فيهم وفي أمثالهم في كل زمان ومكان : } شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا {[112- الأنعام]:.
وما أكثرهم في زماننا يزينون للناس الشر فيقول أحدهم: أنت رجل فقير ولا بأس أن تأخذ من مال الدولة لأنك محتاج، فإذا لم يتيسر لك ذلك فلا مانع من الرشوة ـ لكن انظر إلى هذا الرجل الذي ملأ اله قلبه بحقيقة الإيمان حيث قال: (لا ... لا أبدأ حياتي في الإسلام بالخيانة). وذهب إلى مكة، وسلم التجارة والأموال لأهلها، ثم قال لهم: (يا أهل مكة ماذا تعلمون عني؟ فقالوا: لا نعلم عنك إلاَّ كل خير. فقال: هل بقي لكم شئ في ذمتي؟ قالوا: لا، وجزاك الله خيراً. قال: فإني أشهدكم أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله).
وقد كان المثل الأعلى في ذلك نبيكم الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان أهل مكة يحاربونه ويؤذونه، بل ويتفنون في إيذائه، ومع ذلك كانوا يسلمون له أماناتهم ليحفظها عنده ولم يغره استيلاؤهم على أموال أصحابه، وعلى دورهم، وعلى تجاراتهم أن يأخذ شيئًا من هذه الأمانات حين هجرته لأنه كان حريصًا صل الله عليه وسلم أن يثبت دعائم الأمانة، وقواعد الوفاء في هذا الدين، حتى أنه عرَّض حياة ابن عمه الإمام علي بن أبي طالب للخطر حين أمره أن يبيت مكانه ليؤدي الأمانات إلى أهلها، ليعلم العالم أجمع أن الإسلام دين القيم والمبادئ والمثل.

ثانيا: مكارم الأخلاق
وهي الغاية التي حددها صل الله عليه وسلم من أجل بعثته حيث يقول:
{ إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ }[4]
فمكارم الأخلاق كالعفو عند المقدرة، والتجاوز عن المسئ، والعفو، والصفح، والإحسان إلى من أساء وغيرها، هي الهدف الأسمى من العبادات الإسلاميه. فمثلاً: لماذا فرضت علينا الصلاة؟
يجيب على هذا السؤال قول الله عزوجل : } إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ { [45- العنكبوت]. فالهدف من الصلاة هنا، أن تبقي الملاحظة الإيمانية في وادي قلبك، فتراقب النوافذ التي يدخل منها الشيطان كالعين والأذن واللسان والفرج والبطن، ولا تسمح بالدخول منها إلا لمن أذن الله له بالدخول، أو أذن له حضرة الرسول صل الله عليه وسلم .
فإذا دخل عن طريق العين مثلاً شئ يغضب الله، دق جرس الإيمان في قلبك منبهًا لتتنبه إلى أن هناك شئ غريب تسلل إلى مملكتك، وهذا لو تركته ولم تقض عليه، ربما يفسد عليك حالك، أو يُذهب صلاح قلبك، أو ربما يجعل حالك حال غوي، أو ضال شقي - والعياذ بالله. وربما مال بك إلى حال المنافقين، وكل هؤلاء تبغضهم السماء، وتلعنهم الملائكة. أما أهل الإيمان فيقول في شأنهم اللهعزوجل :
} إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ { [201- الأعراف].
وقد أجمل ذلك أكثم بن صيفي حيث قال: (لو لم يكن ما أتى به مُحَمَّدٌ – صل الله عليه وسلم - دينًا لكان في أخلاق الناس حسنًا).
ثالثا: بناء المراقبة الإيمانية (الضمير)
أخي المؤمن مهما شرع المشرعون، ومهما قلد المقلدون، ومهما أصدر مجلس الشعب أو مجلس الشورى، أو غيرهم من لوائح وقوانين، فلن تنصلح أحوالنا إلا إذا ربينا الضمير في نفوسنا، وفي نفوس آبنائنا وبناتنا، فهو العلاج الوحيد، ولا علاج سواه، ولن ينجينا من تخبطنا شرقًا وغربا إلا الضمير، ولن يصلح أحوالنا إلا الضمير، ولن يصلح الضمير إلا الدين الذي جاءنا به اللطيف الخبير سبحانه. وإلاَّ فبالله عليك خبرني أي قانون في دنيا الناس يجعل المرء يعترف بذنبه على رؤوس الأشهاد؟.
فإننا نرى في زماننا من يرتكب الخطيئة، ويفعل الفاحشة، ويعمل المنكر، وإذا وقع تحت طائلة العقوبة لجأ إلى التزوير وإلى الكذب، وأعانه شهود الزور وما أكثرهم! وساعده تلفيق المحامين، وما أكثر تلفيقهم!، بل ربما لجأوا إلى رشوة القضاة ليأخذوا حقًا من مظلوم ويعطوه لظالم.
لكن في ذلك الزمن الفاضل فهذه امرأة لم تتخرج من جامعة، وليس معها دكتوراه، ولم تتعلم في طوكيو أو لندن أو واشنطن، ولكنها تربت على مائدة الإيمان، وكل ما اكتسبته من العلوم والمعارف إنما هو الإيمان القوي بالله عزوجل ، هذه المرأة تذهب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم لأن هيئة الرقابة الداخلية دفعا إلى هذا العمل فوقفت أمامه ولم تخجل وقالت: يا رسول الله زَنَيْتُ!!
فكرَّر صل الله عليه وسلم القول قائلا: لعلك قبَّلت، لعلك فاخذت، لعلك ضاجعت وهي تصرُّ على قولها مؤكدة اعترافها: زنيت. فقال صل الله عليه وسلم : ما الذي دعاك إلى هذا الاعتراف؟!! قالت سمعتك تقول: ( من أقيم عليه الحد في الدنيا لم يعذبه الله عزوجل به يوم القيامة). فهي تريد أن تطهر خوفًا من عذاب الله عزوجل يوم القيامة.
فأراد صل الله عليه وسلم ، أن يلتمس لها المعاذير، والنيابة المحمدية دائما في جانب المتهم تلتمس له مخرجًا، وتحاول أن تجد له عذرًا، لأنها لا تريد أن تعذِّب أحدًا، أو تحكم على أحد بغير حق، لقوله صل الله عليه وسلم : (لأن يخطئ الإمام في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة). أي لأن يخطئ فيحكم بالبراءة على مجرم، خير من أن يحكم بالعقوبة على برئ، فيكون إثماً كبير يوم لقاء العلي الكبير، فقال لها صل الله عليه وسلم : هل بعقلك شئ؟ قالت: يا رسول الله إني حامل. فقال صل الله عليه وسلم : من الذي يتولى أمرها: قالوا عمها. قال ائتوني به. فلما جاء قال له: خذها وأكرمها ولا تهنها حتى تضع ما في بطنها، فلما أتمت الوضع جاءت وكرر عليها الاعتراف مرة أخرى فثبتت على اعترافها، فقال لوليها: خذها حتى تتم رضاع طفلها حولين كاملين، ثم ائتني بها، فجاءت بعد العامين وقرَّرها فأصرَّت على الاعتراف، فقال: حتى يكبر الطفل، فقالت: يا رسول الله إنه قد فطم ويأكل وحده. وأشارت إلى الطفل وبيده قطعة خبر يأكلها فقال صل الله عليه وسلم : أقيموا عليها الحد.
وبينما القوم يرجمونها بالحجارة، أصابت قطرة دم منها ثوب سيدنا خالد بن الوليد فسبَّها، فغضب رسول الله صل الله عليه وسلم وقال: (لقد تابت توبة، لو وزِّعت على أهل المدينة جميعًا لوسعتهم).
من الذي يبني هذه المراقبة الإيمانية في قلب ابني؟!!
لا المدرسة، ولا الدروس الخصوصية التعليمية!! وإنما الدروس الخصوصية الإيمانية التي نتعلمها من الجامعة القرآنية، ومن قناة التليفزيون الإيمانية؛ فهي التي تبني عند الأولاد مراقبة الله، وتجعلهم يراقبون الله عزوجل في السرِّ والعلانية، والجهر والخفاء، وهؤلاء حتى ولو كانوا فقراء فلا تخشى عليهم لقول الله عزوجل :
} وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ
فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا { [9- النساء].
أما الذي كافحت معه حتى تخرج من الجامعة وأصبح في منصب كبير، ولم يحصل على شهادة مراقبة الرقيب عزوجل ، فإنه يتعرض للأهواء، وقد يسير في طريق الفحشاء، أو تحتوشه شياطين الإنس، فيكون مصيره جهنم، وهناك يتعلق بك، ويكون الأمر كما قال صل الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني:
(إذا كان يوم القيامة يتعلق بالرجل أهله وذويه ويقولون:
يا ربنا خذ لنا بحقنا من هذا،
فيقول الله عزوجل : وما ذاك؟ فيقولون كان يطعمنا من الحرام،
ولم يعلمنا أحكام الإسلام).
فلو درَّبت أولادك يا أخي على مراقبة الله، وعلمتهم قيم الإيمان، ونزعت بعنايتك، وأخرجت بحسن تربيتك، واقتلعت بحسن طريقتك في توجيههم ما في صدورهم من غلِّ وحقد لبعضهم أو لجيرانهم، أو لأقاربهم وأحبابهم، فأطمأن كل الاطمئنان أنهم سيعاملون بقرار الحنان المنان:
} مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً - في الدنيا - وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ - في الآخرة {[97- النحل]. وتدخل أنت في قوله صل الله عليه وسلم :
(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية،أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
فإذا ربيتهم على تعاليم الرحمن، وأجلستهم على مائدة القرآن، وحببتهم في الصفات والخصال التي أثنى على أهلها القرآن، وبغَّضت إليهم الأخلاق والأفعال التي حذَّر منها القرآن، ونفَّر منها النبي العدنان، فسيأتون في ميزان حسناتك يوم لقاء حضرة الديان فيكون عملهم شافع لك، ويكون لك مثل أجرهم جميعًا، لأنك السبب في هذه الأعمال، والأصل في غرس هذه الخصال والفعال، فقد كان منك هذه العناية، وبك نالوا تلك الرعاية، والله لا يضيع أجر من أحس
رابعا: جهاد النفس [5]
لن يستطيع شبابنا مقاومة التيارات الإلحادية المعاصرة، أو مواجهة أتون الشهوات المستعرة، أو الوقوف أمام تيارات المادة الجارفة، إلا بجهاد النفس على وفق الشريعة المطهرة، وغرس مُثلها وقيمها في قلوبهم، لتكون هي الحصن الذي يتحطم عليه كل التيارات الوافدة. فإن الانتصار في ميدان القتال في زمننا صار سهلاً لأنه يتم بواسطة المدافع والدبابات والطائرات وغيرها من وسائل الدمار، لكن التغلب على نزعات النفس وحظوظها وأهوائها ورغباتها هو الذي يحتاج إلى الجهاد الأعظم جهاد النفس.
فنحن لا نحتاج لإصلاح أحوال مجتمعنا لتغيير اللوائح والقوانين، بقدر حاجتنا الماسة إلى تغيير ما بالنفوس لقول الله عزوجل فى[11- الرعد].:
} إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ {
فالذي بالنفس ويجعلها ترضخ للمغريات، وتُقبل على الشهوات، وتنسلخ من مبادئها، هو الطمع والشح، والحرص والشَّره، والغفلة والحقد، والحسد والغل، وغيرها من الصفات الذميمة ولا تتغير النفس من نفس أمّارة أو خبيثة إلى نفس لوامة أو مطمئنة إلا بالتخلي عن هذه الصفات، واقتلاع هذه الآفات مصداقًا لقول الله عزوجل فى [47- الحجر]. :
} وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ {
فكل صفات النفس التي تحجبها عن الأنوار، وتُقعدها عن متابعة النبي المختار، وتجعلها تخلد إلى دار البوار، يجب على شبابنا التنبه إلى أخطارها، والعمل على اقتلاعها من جذورها، فالنفس كما قال الإمام أبو العزائم رضى الله عنه في شأنها: هي النفس للداني تحنُ وترغب وللعاجل الفاني تميل وتطلب
هذه النفس كيف نعالجها؟ وكيف نقضي على شرورها ونزغاتها؟ أباللوائح والقوانين؟ أم بالدبابات والمدافع؟ لا هذا ولا ذاك. أنستطيع أن نُقَوِّمَهَا بالعلم الحديث؟ كلاَّ!!! فإن أوربا جعلت العلم المادي إلهاً يعبدونه من دون الله، ويدَّعون أنه يهيمن على كل شئ، فإذا سألناهم: ما رأي العلم الحديث في تعاطي الخمر؟قالوا: يحرمها ويجرمها - لأسباب كثيرة يضيق حيّز هذه الصفحات عن ذكرها - فلماذا تشربوها رغم كشف العلم عن مضارها؟! وهذا أيضًا رأي العلم في الزنا وغيرها من منكرات الطباع والأخلاق، ولكن العلم وحده ليس عنده القوة التي تدفعني إلى هذه المجاهدات وتلك المكابدات، .... لكن الذي يدفعني لها نور القرآن، وهدي النبي العدنان، وصلابة الإيمان.
نور القرآن
وقد قال في ذلك سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه : (إن الله يزع بالقرآن ما لا يزع بالسلطان). فنور القرآن هو الذي يستطيع أن يمنعني من العصيان، لكن أمر السلطان أستطيع أن أفر منه أو أتنصل، بل أستطيع أن أضيع كل ملابسات الجريمة، حتى ولو كان هناك شاهد ملموس عليّ كالبصمة على الإصبع، فالبعض يبتر إصبعه حتى تذهب آثار جريمته، لكن من الذي يستطيع أن يمحو آثار جريمته ممن يقول للشئ كن فيكون؟ إنه عزوجل يقول [105- التوبة]:
} وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ {
فالمؤمن الذي يشعر بداخله أن الله عزوجل يراه، يرى حركاته وسكناته، ويطلع على خواطره وعلى توجهاته وعلى نياته، كيف يعصاه؟.
إنه لا يستطيع عصيانه عزوجل حتى ولو كان في خلاء من الناس، لأنه تيقن بقلبه أن الله عزوجل لا يخلو منه زمان ولا مكان، وإن كانت عيون الحس لقصورها وضعفها لا تراه، لكن عيون القلب تشهد صفات الله وجمالات الله وكمالات الله ظاهرة في كل مظهر في هذه الحياة.
وإذا نظرت عيني إلى أي كائن تغيب المباني والمعاني سواطع
إذاً ما الذي يسوق الناس إلى البرِّ وفعل الخيرات، ويجعلهم يتمسكون بالفضائل كالهدى والعفاف، ويبتعدون عن الرذائل والمنكرات؟ جهاد النفس على نهج شريعة الله، وليس هذا الكلام الذي نقوله نظريًا، ولكن هناك التجربة العملية الناجحة التى خاضها محمد رسول الله صل الله عليه وسلم والذين معه. وكلنا نعلم ما كان عليه القوم من أخلاق جاهلية، ونزعات إبليسية، فقد كان بينهم من هو أشد من الشياطين فسادا وضلالا، ولذلك قدَّم الله عزوجل ذكرهم في الآية لخطورتهم على شياطين الجن، وذلك في قوله سبحانه: } شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا { [112- الأنعام].
وكان بعضهم في أفعاله وأحواله أضل من الأنعام ولذلك يقول الله عزوجل في شأنهم: } أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ { [179- الأعراف].
فلم يكن عندهم معاني ولا فضائل تليق بتكريم الله للإنسان، أو تناسب الكمال الذي أعد الله له الإنسان.
لكن ماذا حدث؟ كل هذا تغير في طرفة عين على يد رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقد أصبحوا بعد السفاهة حلماء، وبعد الجهالة علماء، وبعد الضلالة هداة حتى قال فيهم صل الله عليه وسلم : (علماء حكماء فقهاء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء).
لقد طهرهم صل الله عليه وسلم ، من صفات الجاهلية، وخلَّقهم بعد جهاد أنفسهم بالصفات الربانية من الرحمة والشفقة والعطف والبذل والإيثار والعفو والصفح وغيرها وكذلك الأخلاق القرآنية من التواضع والخشوع والإخبات والابتهال والتبتل وغيرها فلما نصروا الله بإقامة شريعته، وحفظ كتابه، والعمل بأحكام دينه، والحرص على وصاياه وتوجيهاته، نصرهم الله عزوجل على أعدائهم تنفيذاً لقوله عزوجل فى(7محمد): }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{
ميادين جهاد المؤمنين
إن الذي أضاع حال معظم الناس في هذا العصر، اعتقادهم أن ميدان الجهاد في الحصول على الأموال فقط لأن بها تتيسر لهم وسائل الحصول على الشهوات، ونيل جميع الرغبات ولذلك سولت لهم أنفسهم أن كل طريق للحصول على المال فهو مباح ولو كان الغش أو الخداع، أو السلب أو النهب، أو النصب والاحتيال أو الكذب، فالمهم أن يحصل على المال بأي وسيلة وبأي كيفية ويبررون ذلك بقولتهم المغلوطة: الغاية تبرر الوسيلة.
لكن المؤمن يجاهد لتحصيل المال من طريق حلال، فإذا انتهى من سعيه على معاشه عمل بقول الله عزوجل لحبيبه ومصطفاه صل الله عليه وسلم : }فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ { [ 7و8- الإنشراح].
فتجده يجاهد في ميدان من الميادين التي أشار إليها القرآن، فبعضهم يجاهد ليكون مع القوم الذين يقول الله عزوجل فيهم: }رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ{ [37- النور].
وبعضهم يرغب في الدخول في مقام: } يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ { [54- المائدة] ويكتب في ديوان المحبين، فجهاده في التخلق بقول الله عزوجل : } يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ { [54- المائدة]
ومنهم من يودّ أن يكون:
} مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا { [69- النساء].
ونحن نطلب هذا المقام في كل ركعة من ركعات الصلاة حيث نقول:
} اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ { [ 7،8- الفاتحة]. والصراط المستقيم لا يكون بالصلاة فقط، ولكن بالجهاد في التحقق بقول الله عزوجل : } وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ { [69- النساء].
فإذا كنت أطيع الله عزوجل في القيام بالصلاة وأخالفه بالكذب على عباد الله، أو الخيانة للمؤمنين بالله فهذه طاعة مردودة لأن الدين لا بد أن يؤخذ جملة واحدة فالطاعة كما أقوم بها في العبادات لابد أن أقوم بها في المعاملات، ولا بد أن أتصف بها في الأخلاق، بل قد وصل الأمر ببعض الصالحين إلى التأسي برسول الله صل الله عليه وةسلم حتى في العادات، كالنوم والأكل والشرب وما شابه ذلك، وذلك لرغبتهم الشديدة في أن يكونوا في معيته صل الله عليه وسلم .
إذن فالمؤمن يجاهد في ميدان من ميادين الجهاد التي وضحها القرآن، أو بيَّنتها سنة النبي العدنان، ويطلب بذلك الأنس بالله، أو التلذذ بذكر الله، أو التمتع بمناجاة الله بكلام الله، أو الدخول في معية سيدنا رسول الله، أو الحصول على الدرجات العالية في الجنة، أو ضمان الأمان في الدار الآخرة من عذاب الله والدخول في المقام الكريم الذي يقول فيه الله عزوجل : } أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ {[82- الأنعام].
ومن يفعل ذلك فهو الإنسان الذي تحقق بخلافة الله، واستحق تكريم الله في قوله جل شأنه: } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً { [70- الإسراء]، وقد نَبَّه إلى بعض هذه المعاني الإمام عليٌّ رضى الله عنه وكرَّم الله وجهه حيث يقول فى أبيات اشتهرت له:
أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك ولا تشـعر
وأشار إلى ذلك أحد الصالحين في قوله:
يا صورة الرحمن والنور العلي يا سدرة الأوصاف والغيب الجلي
فيك المعاني كلها طويت فهل أدركت سِرًّا فيك من معنى الولي؟
فنحن نريد إصلاح النفوس أولا قبل إصلاح القوانين واللوائح، وإقامة النفوس الفاضلة قبل إقامة المباني والمنشآت، فإصلاح النفس هو الذي عليه المعوِّل الأول في الإصلاح، فلو أن فردًا واحدا فقط استطاع إصلاح نفسه، لفتح الله عزوجل به دولاً كاملة، لأن اللهعزوجل يهيئ له الأسباب، ويفتح له القلوب، ويجري الخير على يديه، ويسوق البر في ركابه تحقيقًا لقوله سبحانه:
} وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا { [55- النور].
وفي هذا العصر الذي نحن فيه لن ينصلح حال مجتمعنا إلا إذا انتشر العلماء العاملون، والحكماء الربانيون، والأئمة المخلصون، يهذبون النفس بعلمهم وحالهم، ويخلعون منها الحقد والحسد والغل والبغض، ويملئونها بالحب والشوق والوجد والإيثار وينشرون أخلاق الأنبياء وصفات الأولياء.
فإذا امتلأت القلوب بهذه المعاني فستنحصر الجريمة في المجتمع، وتنزوي الأخلاق السيئة، وتتوارى الرذائل، وسنجد في قلوب شبابنا وبناتنا سدًا إيمانيًا منيعًا يصد التيارات الإلحادية والمادية الجارفة التي يسلطها علينا شياطين أوربا وغواة أمريكا، هذا السد الإيماني يجعل صاحبه من الفتية الذين يقول فيهم الله فى كتابه الحكيم:
} إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى { [13- الكهف].
فلو ألقي في وسط جهنم المعاصي في لندن أو باريس أو غيرها، فلن يستطيع أي إغراء أو إغواء أن يؤثر فيه أو يفتنه، لأن السد الإيماني بداخله يحفظه من ذلك. من أين بُني هذا السد؟ من كلام الله، ومن سنة رسول الله، والعمل بهما بإخلاص طلبًا لمرضاة الله عزوجل .
أما الذي ليس عنده هذا السد الإيماني فتجده يبحث عن المعاصي ليرتكبها، ويلح في طلب الدواعي التي تهيئ له الدواعي، وتتبرج له الدنيا، وتتزين له المعاصي !!! .... ولسان حالها يقول له : ..... هيت لك!! فيجيبها لسان حاله قائلاً : } قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ { [23- يوسف].
من الذي يصنع هذا السد ويبنيه في قلوب بنينا وبناتنا؟
العلماء العاملون والدعاء المخلصون الذين يقول فيهم الله جل شأنه:
} وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ { [24- السجدة]، وصلى الله على

[1] صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى عن أبيه
[2] من رع.اية شباب الإسلام، أولاً كانتك التربية الجنسية.
[3] رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:
[4] سنن الكبرى للبيهقي عن أبى هريرة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://chelghoum-laid.alafdal.net
 
تربية القرآن لجيل الإيمان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اسهل طريقة لحفظ القرآن الكريم
» القرآن ربيع قلبي هگذا علمتني أمي
» سؤال هام، ما هي نيتك وأنت تقرأ القرآن العظيم؟؟
» أسماء البنات التي وردت في القرآن الكريم
» القرآن الكريم كاملا بصوت ماهر المعيقلي (2-1) -Quran

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات شلغوم العيد :: ۩۞۩ منتديات الأسرة و المجتمع۩۞۩ :: منتــدى الطفــل-
انتقل الى: